صدقة جارية
تفسير اية رقم ٤٦_٤٧
من سورة الروم
﴿وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِۦۤ أَن یُرۡسِلَ ٱلرِّیَاحَ مُبَشِّرَ ٰتࣲ وَلِیُذِیقَكُم مِّن رَّحۡمَتِهِۦ وَلِتَجۡرِیَ ٱلۡفُلۡكُ بِأَمۡرِهِۦ وَلِتَبۡتَغُوا۟ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَاۤءُوهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِینَ أَجۡرَمُوا۟ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَیۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ (٤٧)﴾ [الروم ٤٦-٤٧]
يَذْكُرُ تَعَالَى نعَمه عَلَى خَلْقِهِ، فِي إِرْسَالِهِ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، بِمَجِيءِ الْغَيْثِ(١) عَقِيبِهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ أَيِ: الْمَطَرُ الَّذِي يُنْزِلُهُ فَيُحْيِيَ بِهِ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ، ﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ﴾ أَيْ: فِي الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا سَيَّرَهَا بِالرِّيحِ، ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ أَيْ: فِي التِّجَارَاتِ وَالْمَعَايِشِ، وَالسَّيْرِ مِنْ إِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ، وَقُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أَيْ: تَشْكُرُونَ اللَّهَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ النِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى.ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾ هَذِهِ تَسْلِيَةٌ مِنَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ(٢) ، بِأَنَّهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ كَثِيرٌ مِنْ قَوْمِهِ وَمِنَ النَّاسِ، فَقَدْ كُذّبت الرُّسُلُ الْمُتَقَدِّمُونَ مَعَ مَا جَاءُوا أُمَمَهُمْ بِهِ مِنَ الدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ انْتَقَمَ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ وَخَالَفَهُمْ، وَأَنْجَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِمْ، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، هُوَ حَقٌّ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، تَكَرُّمًا وَتَفَضُّلًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٥٤] .قَالَ(٣) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ نُفَيْلٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَب(٤) ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: "ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَرُدُّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ، إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾(٥) .
(١) في ت، ف: "بمجيء المطر والغيث".
(٢) في ت: "صلى الله عليه وسلم".
(٣) في ت: "وروى".
(٤) في ت: "بإسناده".
(٥) ورواه أحمد في المسند (٦/٤٤٨) من طريق إسماعيل، وابن أبي الدنيا في الغيبة والنميمة برقم (١٠٢) من طريق جرير كلاهما عَنْ لَيْثٍ - وَهُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ - بِهِ ولم يذكر الآية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق