صدقة جارية
تفسير اية رقم ٦٣_٦٥
من سورة الأنعام
﴿قُلۡ مَن یُنَجِّیكُم مِّن ظُلُمَـٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ تَدۡعُونَهُۥ تَضَرُّعࣰا وَخُفۡیَةࣰ لَّىِٕنۡ أَنجَىٰنَا مِنۡ هَـٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ (٦٣) قُلِ ٱللَّهُ یُنَجِّیكُم مِّنۡهَا وَمِن كُلِّ كَرۡبࣲ ثُمَّ أَنتُمۡ تُشۡرِكُونَ (٦٤) قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰۤ أَن یَبۡعَثَ عَلَیۡكُمۡ عَذَابࣰا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ یَلۡبِسَكُمۡ شِیَعࣰا وَیُذِیقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ ٱنظُرۡ كَیۡفَ نُصَرِّفُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لَعَلَّهُمۡ یَفۡقَهُونَ (٦٥)﴾ [الأنعام ٦٣-٦٥]
يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى عِبَادِهِ فِي إِنْجَائِهِ الْمُضْطَرِّينَ مِنْهُمْ ﴿مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ أَيِ: الْحَائِرِينَ الْوَاقِعِينَ فِي الْمَهَامِهِ الْبَرِّيَّةِ، وَفِي اللُّجُجِ الْبَحْرِيَّةِ إِذَا هَاجَتِ الرِّيحُ(١) الْعَاصِفَةُ، فَحِينَئِذٍ يُفْرِدُونَ الدُّعَاءَ لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كَمَا قَالَ: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ [فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا] ﴾(٢) [الْإِسْرَاءِ: ٦٧] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾(٣) [يُونُسَ: ٢٢] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النَّمْلِ: ٦٣] .وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: ﴿قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ أَيْ: جَهْرًا وَسِرًّا ﴿لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ﴾ أَيْ: مِنْ هَذِهِ الضَّائِقَةِ ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ أَيْ: بَعْدَهَا، قَالَ اللَّهُ [تَعَالَى](٤) ﴿قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ﴾ أَيْ: بَعْدَ ذَلِكَ ﴿تُشْرِكُونَ﴾ أَيْ: تَدْعُونَ مَعَهُ فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ آلهة أخرى.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ لَمَّا قَالَ: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا [مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ] ﴾(٥) أَيْ: بَعْدَ إِنْجَائِهِ إِيَّاكُمْ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ: ﴿رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٦٦ -٦٩] .قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ الْأَعْوَرُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ قَالَ: هَذِهِ لِلْمُشْرِكِينَ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ [فِي قَوْلِهِ](٦) ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَعَفَا عَنْهُمْ.وَنَذْكُرُ هُنَا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ وَالْآثَارَ، وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانِ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَبِهِ الثِّقَةُ.قَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ يَلْبِسَكُمْ: يَخْلِطَكُمْ، مِنَ الِالْتِبَاسِ، يَلْبِسوا: يَخْلطُوا. شِيَعًا: فِرَقًا.حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَعُوذُ بِوَجْهِكَ". ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ قَالَ: "أَعُوُذُ بِوَجْهِكَ". ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هَذِهِ أَهْوَنُ -أَوْ قَالَ: هَذَا أَيْسَرُ".وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيْضًا فِي "كِتَابِ التَّوْحِيدِ" عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، بِهِ(٧)وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ [أَيْضًا](٨) فِي "التَّفْسِيرِ"، عَنْ قُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ مُسَاوِرٍ، وَيَحْيَى بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ(٩) أَرْبَعَتُهُمْ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، بِهِ.وَقَدْ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، سَمِعَ جَابِرًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِهِ.وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى الْمُوصِلِيِّ، عَنْ أَبِي خيثمة، عن سفيان بن عيينة، به.وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَسُفْيَانَ بْنِ وَكِيع، كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، بِهِ.وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيه، مِنْ حَدِيثِ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَعَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، بِهِ.وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، بِهِ(١٠)طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيه فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا مقدام ابن دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا بن لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ" ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ" ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ قَالَ: "هَذَا أَيْسَرُ"، وَلَوِ اسْتَعَاذَهُ لَأَعَاذَهُ(١١)وَيَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ [الْكَرِيمَةِ](١٢) أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ:أَحَدُهَا: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ -هُوَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ -عَنْ رَاشِدٍ -هُوَ ابْنُ سَعْدٍ الْمُقْرَئِيُّ -عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ](١٣) قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ فَقَالَ: "أَمَا إِنَّهَا كَائِنَةٌ، وَلَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ".وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، بِهِ(١٤) ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. [جِدًّا](١٥)حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْلَى -هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ -حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَامِرِ ابن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حَتَّى مَرَرْنَا عَلَى مَسْجِدِ بَنِي مُعَاوِيَةَ، فَدَخَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّيْنَا مَعَهُ، فَنَاجَى رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، طَوِيلًا قَالَ(١٦) سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا "سَأَلْتُهُ أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ، فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَنِيهَا".انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ، فَرَوَاهُ(١٧) فِي "كِتَابِ الْفِتَنِ" عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابن نُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ -وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ، عن مروان بن معاوية، كِلَاهُمَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ، بِهِ(١٨)حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي بَنِي مُعَاوِيَةَ -قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْأَنْصَارِ -فَقَالَ لِي: هَلْ تَدْرِي(١٩) أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي مَسْجِدِكُمْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَأَشَرْتُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنْهُ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الثَّلَاثُ الَّتِي دَعَا بِهِنّ فِيهِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: وَأَخْبَرَنِي(٢٠) بِهِنَّ، فَقُلْتُ(٢١) دَعَا أَلَّا يُظْهِر عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا يُهْلِكَهُمْ بِالسِّنِينَ، فَأُعْطِيْهِمَا، وَدَعَا بِأَنْ لَا يُجْعَلَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمُنِعَهَا. قَالَ: صَدَقْتَ، فَلَا يَزَالُ الْهَرْجُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"(٢٢)لَيْسَ هُوَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ حُنَيف(٢٣) عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنِي حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى حَرَّةِ بَنِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، فَأَطَالَ فِيهِنَّ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: حَبَسْتُكَ؟ قَلْتُ(٢٤) اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَأَلْتُهُ أَلَّا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَعْطَانِي(٢٥) وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُهْلِكَهُمْ بِغَرَقٍ، فَأَعْطَانِي. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَنِي".رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيه مِنْ حَدِيثِ ابْنِ إِسْحَاقَ(٢٦)حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ، عَنْ رَجَاءٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَطْلُبُهُ فَقِيلَ لِي: خَرَجَ قَبْلُ. قَالَ: فَجَعَلْتُ لَا أَمُرُّ بِأَحَدٍ إِلَّا قَالَ: مَرَّ قَبْلُ. حَتَّى مَرَرْتُ فَوَجَدْتُهُ قَائِمًا يُصَلِّي. قَالَ: فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتُ خَلْفَهُ، قَالَ: فَأَطَالَ الصَّلَاةَ، فَلَمَّا قَضَى صلاته(٢٧) قلت: يا رسول الله، لقد صليت صَلَاةً طَوِيلَةً؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنِّي صَلَّيْتُ صَلَاةَ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، سَأَلْتُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَأَلْتُهُ أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِي غَرَقًا، فَأَعْطَانِي(٢٨) وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُظْهِر عَلَيْهِمْ عَدُوًّا لَيْسَ مِنْهُمْ، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَرَدَّهَا عَلَيَّ".وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "الْفِتَنِ" عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عن الأعمش، به(٢٩) وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيه مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ(٣٠) بْنِ عُمَيْر، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِمِثْلِهِ أَوْ نَحْوَهُ.حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْر(٣١) بْنِ الْأَشَجِّ، أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيَّ حَدَّثَهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ صَلَّى سُبْحَة الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: "إِنِّي صَلَّيْتُ صَلَاةَ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً: سَأَلْتُهُ أَلَّا يَبْتَلِيَ أُمَّتِي بِالسِّنِينَ، فَفَعَلَ. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوَّهُمْ، فَفَعَلَ. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَلْبِسَهُم شِيَعًا، فَأَبَى عَلَيَّ".رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الصَّلَاةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، بِهِ.(٣٢)حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ أَبِيهِ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ -مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ -أَنَّهُ قَالَ: رَاقَبْتُ(٣٣) رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي لَيْلَةٍ صَلَّاهَا كُلَّهَا، حَتَّى كَانَ مَعَ الْفَجْرِ فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ صِلَاتِهِ، قُلْتُ(٣٤) يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ صَلَاةً مَا رَأَيْتُكَ صَلَّيْتَ مِثْلَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَجَلْ، إِنَّهَا صَلَاةُ رَغَب ورَهَب. سَأَلْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فِيهَا ثَلَاثَ خِصَالٍ، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً: سَأَلْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، أَلَّا يُهْلِكَنَا بِمَا أَهْلَكَ بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَنَا، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، أَلَّا يُظْهِرَ عَلَيْنَا عَدُوًّا مِنْ غَيْرِنَا، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، أَلَّا يَلْبِسَنَا شِيَعًا، فَمَنَعَنِيهَا".وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، بِهِ(٣٥) وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ. وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، بِإِسْنَادَيْهِمَا عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ -وَالتِّرْمِذِيُّ فِي "الْفِتَنِ" مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ -كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ(٣٦) وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ(٣٧) الْمُزَنِيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ خَالِدٍ الْخُزَاعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً تَامَّةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَقَالَ: "قَدْ كَانَتْ صَلَاةَ رَغْبَة ورَهْبَة، سَأَلْتُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، فِيهَا ثَلَاثًا، أَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَأَلْتُ اللَّهَ أَلَّا يُصِيبَكُمْ بِعَذَابٍ أَصَابَ بِهِ مَنْ قَبْلَكُمْ، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُ اللَّهَ أَلَّا يُسَلِّطَ عَلَيْكُمْ عَدُوًّا يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَكُمْ، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَمَنَعَنِيهَا". قَالَ أَبُو مَالِكٍ: فَقُلْتُ لَهُ: أَبُوكَ سَمِعَ هَذَا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم؟ فَقَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ بِهَا الْقَوْمَ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ(٣٨)حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: قَالَ مَعْمَر، أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحْبي، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أوْس؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْك أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوي لِي مِنْهَا، وَإِنِّي أُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَبْيَضَ وَالْأَحْمَرَ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، أَلَّا يُهْلِكَ أُمَّتِي بسنَة بِعَامَّةٍ وَأَلَّا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا فَيُهْلِكَهُمْ بِعَامَّةٍ، وَأَلَّا يلبسهم شيعا، وألا يذيق بعضهم بأس بعض. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ. وَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ ألا أهلكتهم(٣٩) بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَلَّا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِمَّنْ سِوَاهُمْ فَيُهْلِكَهُمْ بِعَامَّةٍ، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَبَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا، وَبَعْضُهُمْ يَسْبِي بَعْضًا". قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ "وَإِنِّي لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، فَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي، لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"(٤٠)لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَإِسْنَادُهُ(٤١) جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيه مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ ابن زَيْدٍ، وَعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَقَتَادَةَ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبان، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَحْوِهِ(٤٢) فَاللَّهُ أَعْلَمُ(٤٣)حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيه: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيُّ وَمَيْمُونُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْحَسَنِ الْحَنَفِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ نَافِعِ بْنِ خَالِدٍ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ -وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ(٤٤) ﷺ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ -: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا صَلَّى وَالنَّاسُ حَوْلَهُ، صَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً تَامَّةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ: فَجَلَسَ يَوْمًا فَأَطَالَ الْجُلُوسَ حَتَّى أَوْمَأَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ: أَنِ اسْكُتُوا، إِنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ. فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَطَلْتَ الْجُلُوسَ حَتَّى أَوْمَأَ بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ: إِنَّهُ يَنْزِلُ عَلَيْكَ. قَالَ: "لَا وَلَكِنَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ رَغْبة وَرَهْبَةٍ، سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَأَلْتُ اللَّهَ أَلَّا يُعَذِّبَكُمْ بِعَذَابٍ عَذَّبَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَأَعْطَانِيهَا. أَلَّا يُسَلِّطَ(٤٥) عَلَى أُمَّتِي(٤٦) عَدُوًّا يَسْتَبِيحُهَا، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَلْبسَكم شِيعًا وَأَلَّا يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَمَنَعَنِيهَا"، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَبُوكَ سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عدد أصابعي هذه، عشر أصابع(٤٧) حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ -هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ -حَدَّثَنَا لَيْثٌ -هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي وَهْبٍ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ، عَنْ أَبِي بَصْرَة الْغِفَارِيِّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سَأَلْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، أَرْبَعًا فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَأَلْتُ اللَّهَ أَلَّا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُ اللَّهَ أَلَّا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُ اللَّهَ أَلَّا يُهْلِكَهُمْ بِالسِّنِينَ كَمَا أَهْلَكَ الْأُمَمَ قَبْلَهُمْ، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَلَّا يلبسهم شيعا وألا يذيق بعضهم بأس بعض، فَمَنَعَنِيهَا"(٤٨)لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مِنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ الثَّعْلَبِيُّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقة، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَة السَّوَائي، عَنْ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ](٤٩) ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثَ خِصَالٍ فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ، وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، لَا تُهْلِكْ أُمَّتِي جُوعًا فَقَالَ: هَذِهِ لَكَ. قُلْتُ: يَا رَبِّ، لَا تُسَلِّطْ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ -يَعْنِي أَهْلَ الشِّرْكِ -فَيَجْتَاحَهُمْ. قَالَ ذَلِكَ لَكَ(٥٠) قُلْتُ: يَا رَبِّ، لَا تَجْعَلْ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ". قَالَ: "فَمَنَعَنِي هَذِهِ"(٥١)حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "دَعَوْتُ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، أَنْ يَرْفَعَ عَنْ أُمَّتِي أَرْبَعًا، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ اثْنَتَيْنِ، وَأَبَى عَلَيَّ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ اثْنَتَيْنِ. دَعَوْتُ رَبِّي أَنْ يَرْفَعَ الرَّجْمَ(٥٢) مِنَ السَّمَاءِ، وَالْغَرَقَ مِنَ الْأَرْضِ، وألا يلبسهم شيعا، وألا يذيق بعضهم بأس بَعْضٍ، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرَّجْمَ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْغَرَقَ مِنَ الْأَرْضِ، وَأَبَى اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ اثْنَتَيْنِ: الْقَتْلَ، والهَرج".طَرِيقٌ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ مَرْدُوَيه: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ(٥٣) حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُنِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ قَالَ: فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَا تُرْسِلْ عَلَى أُمَّتِي عَذَابًا مِنْ فَوْقِهِمْ، وَلَا مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، وَلَا تَلْبِسْهُمْ شِيَعًا، وَلَا تُذِقْ(٥٤) بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ" قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ الله قد أجار أمتك أن يرسل عَلَيْهِمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِهِمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ(٥٥)حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ مَرْدُوَيه: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ العَنْقَزِي، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّي، عَنْ أَبِي المِنْهَال، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَرْبَعَ خِصَالٍ، فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَأَلْتُهُ أَلَّا تَكْفُرَ أُمَّتِي وَاحِدَةً، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ بِمَا عَذَّبَ بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَهُمْ، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُظْهِرَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَعْطَانِيهَا. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعَنِيهَا".وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القطَّان، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيِّ، بِهِ نَحْوَهُ(٥٦)طَرِيقٌ أُخْرَى: وَقَالَ ابْنُ مَرْدُوَيه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيب، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحُباب، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ مَوْلَى آلِ أَبِي ذُبَاب، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً. سَأَلْتُهُ أَلَّا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ(٥٧) فَأَعْطَانِي. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يُهْلِكَهُمْ بِالسِّنِينَ، فَأَعْطَانِي. وَسَأَلْتُهُ أَلَّا يَلْبِسَهُمْ(٥٨) شِيَعًا وَأَلَّا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَمَنَعَنِي".ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيه بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِنَحْوِهِ. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ(٥٩) بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ(٦٠)أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ سُفْيَانُ، الثَّوْرِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: أَرْبَعَةٌ مِنْ(٦١) هَذِهِ الْأُمَّةِ: قَدْ مَضَتْ ثِنْتَانِ، وَبَقِيَتْ ثِنْتَانِ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ قَالَ: الرَّجْمُ. ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ قَالَ: الْخَسْفُ. ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي: الرَّجْمَ وَالْخَسْفَ.وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ قَالَ: فَهِيَ أَرْبَعُ خِلَالٍ، مِنْهَا ثِنْتَانِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، أُلبِسوا شِيَعًا، وَذَاقَ بَعْضُهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، وَبَقِيَتِ اثْنَتَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا وَاقِعَتَانِ(٦٢) الرجم والخسف.وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ وَكِيع، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ [عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا] ﴾(٦٣) الْآيَةَ، قَالَ: حُبِسَتْ عُقُوبَتُهَا حَتَّى عُمِلَ ذَنْبُهَا، فَلَمَّا عُمِلَ ذَنْبُهَا أُرْسِلَتْ عُقُوبَتُهَا.وَهَكَذَا(٦٤) قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَأَبُو مَالِكٍ وَمُجَاهِدٌ، والسُّدِّي وَابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ يَعْنِي: الرَّجْمَ. ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ يَعْنِي: الْخَسْفَ. وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ وَهْب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قوله: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ قَالَ: كَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ](٦٥) يَصِيحُ وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ -أَوْ عَلَى الْمِنْبَرِ -يَقُولُ: أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ.إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ] ﴾(٦٦) لَوْ جَاءَكُمْ عَذَابٌ مِنَ السَّمَاءِ، لَمْ يُبْقِ مِنْكُمْ أَحَدًا ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ لَوْ خَسَفَ(٦٧) بِكُمُ الْأَرْضَ أَهْلَكَكُمْ، لَمْ يُبْقِ مِنْكُمْ أَحَدًا ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ أَلَا إِنَّهُ نَزَلَ بِكُمْ أَسْوَأُ الثَّلَاثِ.قَوْلٌ ثَانٍ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب، سَمِعْتُ خَلَّادَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ فَأَمَّا الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِكُمْ، فَأَئِمَّةُ السُّوءِ ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ فَخَدَمُ السُّوءَ.وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ يَعْنِي: أُمَرَاءَكُمْ. ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ يَعْنِي: عَبِيدَكُمْ وَسَفَلَتَكُمْ.وَحَكَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ وَعُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ، نَحْوَ ذَلِكَ.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ صَحِيحٌ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ وَأَقْوَى.وَهُوَ كَمَا قَالَ(٦٨) ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ بِالصِّحَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ * [وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ](٦٩) ﴾ [الْمُلْكِ: ١٦ -١٨] ، وَفِي الْحَدِيثِ: "لِيَكُونَنَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَذْفٌ وخَسْفٌ ومَسْخٌ"(٧٠) وَذَلِكَ مَذْكُورٌ مَعَ نَظَائِرِهِ فِي أَمَارَاتِ الساعة وأشراطها وظهور الآيات قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَسَتَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ أَيْ: يَجْعَلَكُمْ مُلْتَبِسِينَ شِيَعًا فِرَقًا مُتَخَالِفِينَ. قَالَ الْوَالِبِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي: الْأَهْوَاءَ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً".
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي يُسَلِّطُ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْعَذَابِ وَالْقَتْلِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ﴾ أَيْ: نُبَيِّنُهَا وَنُوَضِّحُهَا ونُقِرُّهَا(٧١) ﴿لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ أَيْ: يَفْهَمُونَ وَيَتَدَبَّرُونَ عَنِ اللَّهِ آيَاتِهِ وَحُجَجَهُ وَبَرَاهِينَهُ.قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ] ﴾(٧٢) الْآيَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقاب بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ(٧٣) . قَالُوا: وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: " نَعَمْ". فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يَكُونُ هَذَا أَبَدًا، أَنْ يَقْتُلَ بَعْضُنَا بَعْضًا وَنَحْنُ مُسْلِمُونَ، فَنَزَلَتْ: ﴿انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ(٧٤)
(١) في د: "الرياح".
(٢) زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
(٣) في م، أ: "مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ".
(٤) زيادة من م، أ.
(٥) زيادة من أ.
(٦) زيادة من أ.
(٧) صحيح البخاري برقمي (٤٦٢٨) ، (٧٤٠٦)
(٨) زيادة من أ.
(٩) في أ: "عدي".
(١٠) النسائي في السنن الكبرى برقم (١١١٦٤) ومسند الحميدي (٢/٥٣٠) ومسند أبي يعلى (٣/٣٦٢) وتفسير الطبري (١١/٤٢٢)
(١١) وفي إسناده عبد الله بن لهيعة وقد اختلط.
(١٢) زيادة من أ.
(١٣) زيادة من أ.
(١٤) المسند (١/١٧٠) وسنن الترمذي برقم (٣٠٦٦) .
(١٥) زيادة من أ.
(١٦) في أ: "ثم قال"
(١٧) في أ: "ورواه".
(١٨) المسند (١/١٧٥) وصحيح مسلم برقم (٢٨٩٠) .
(١٩) في أ: "ترى".
(٢٠) في م، أ: "قال: فأخبرني".
(٢١) في م: "فقال".
(٢٢) المسند (٥/٤٤٥) وقال الهيثمي في المجمع (٧/٢٢١) : "رجاله ثقات".
(٢٣) في أ: "عن خصيف".
(٢٤) في أ: "حسبك يا حذيفة فقلت".
(٢٥) في أ: "فأعطانيها".
(٢٦) ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (١٠/٣١٨) من طريق عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق به.
(٢٧) في جـ: "الصلاة".
(٢٨) في أ: "فأعطانيها".
(٢٩) المسند (٥/٢٤٠) وسنن ابن ماجه برقم (٣٩٥١) .
(٣٠) في م: "عبد الملك".
(٣١) في أ: "بكر".
(٣٢) المسند (٢/١٤٦) .
(٣٣) في م: "وافيت".
(٣٤) في أ: "فقلت"
(٣٥) المسند (٥/١٠٨) وسنن النسائي (٣/٢١٦) .
(٣٦) النسائي في السنن الكبرى كما في تحفة الأشراف (٣/١١٥) وصحيح ابن حبان (٩/١٨٠) "الإحسان"، وسنن الترمذي برقم (٢١٧٥)
(٣٧) في أ: "عبد الله".
(٣٨) تفسير الطبري (١١/٤٣٣) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٤/١٩٢) والبزار في مسنده برقم (٣٢٨٩) "كشف الأستار" من طريق مروان بن معاوية به.
(٣٩) في م، أ: "يهلكهم".
(٤٠) المسند (٤/١٢٣) وقال الهيثمي في المجمع (٧/٢٢١) : "رجال أحمد رجال الصحيح"
(٤١) في أ: "وإسناد".
(٤٢) ورواه مسلم في صحيحه برقم (٢٨٨٩) من طريق حماد بن زيد به ورواه من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي قلابة به ولم يذكر أيوب.
(٤٣) في أ: "والله أعلم".
(٤٤) في م، أ: "النبي".
(٤٥) في م، أ: "فأعطانيها، وسألته ألا يسلط".
(٤٦) في م: "عامتكم".
(٤٧) ورواه البزار في مسنده برقم (٣٢٨٩) "كشف الأستار" والطبراني في المعجم الكبير (٤/١٩٢) من طريق أبي مالك الأشجعي عن نافع عن أبيه به.
(٤٨) المسند (٦/٣٩٦) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٢/٢٨٠) من طريق الليث به.
تنبيه: وقع في المسند كما هو هنا: "أبو وهب الخولاني" وفي المعجم الكبير للطبراني: "أبو هانئ الخولاني" وهو الصحيح، كما ذكره المزى في تهذيب الكمال (٧/٤٠١) وابن عبد البر في الاستغناء (٢/٩٧٦) .
(٤٩) زيادة من أ.
(٥٠) في م: "لك ذلك".
(٥١) المعجم الكبير للطبراني (١/١٠٧) وقال الهيثمي في المجمع (٧/٢٢٢) : " فيه أبو حذيفة الثعلبي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".
(٥٢) في م، أ: "يرفع عنهم الرجم".
(٥٣) في أ: "يزيد".
(٥٤) في أ: "لا تذيق" وهو خطأ.
(٥٥) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١١/٣٧٤) من طريق أبي الدرداء المروزي به، وفي إسناده من لم أعرفهم.
(٥٦) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٤٣٣٦) "مجمع البحرين" من طريق القطيعي عن عمرو بن محمد العنقزي به. قال الهيثمي في المجمع (٧/٢٢٢) : "رجاله ثقات".
(٥٧) في أ: " من غيرهم فأعطاني".
(٥٨) في م: "يلبسها".
(٥٩) في أ: "عمرو".
(٦٠) مسند البزار برقم (٣٢٩٠) "كشف الأستار".
(٦١) في أ: "في".
(٦٢) في أ: "وقفتان".
(٦٣) زيادة من م، أ.
(٦٤) في أ: "وكذا".
(٦٥) زيادة من أ.
(٦٦) زيادة من أ.
(٦٧) في م، أ: "يخسف".
(٦٨) في أ: "قاله".
(٦٩) زيادة من م، أ.
(٧٠) رواه أحمد في مسنده (٢/١٦٣) من حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(٧١) في أ: "ونفسرها".
(٧٢) زيادة من أ.
(٧٣) في أ: بالسيف".
(٧٤) تفسير الطبري (١١/٤٣٠) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق