قال
أبو محمد الفرغاني حدثني أبو بكر الدينوري قال لما
كان وقت صلاة الظهر من يوم الاثنين الذي توفي في
آخره ابن جرير طلب ماءً ليجدد وضوءه فقيل له تؤخر
الظهر تجمع بينها وبين العصر فأبى وصلى الظهر
مفردة والعصر في وقتها أتم صلاة وأحسنها، وحضر وقت
موته جماعة منهم أبو بكر بن كامل فقيل له قبل خروج
روحه يا أبا جعفر أنت الحجة فيما بيننا وبين الله
فيما ندين به فهل من شيء توصينا به من أمر ديننا
وبينة لنا نرجو بها السلامة في معادنا فقال الذي
أدين الله به وأوصيكم هو ما ثبت في كتبي فاعملوا
به وعليه وكلاما هذا معناه وأكثر من التشهد وذكر
الله عز وجل ومسح يده على وجهه وغمض بصره بيده
وبسطها وقد فارقت روحه الدنيا.
قال أحمد بن كامل توفي ابن جرير عشية الأحد
ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلاث مئة ودفن في
داره برحبة يعقوب يعني ببغداد قال ولم يغير شيبة
وكان السواد فيه كثيرا وكان أسمر أقرب إلى الأدمة
(السواد) أعين نحيف الجسم طويلا فصيحا وشيعه من لا
يحصيهم إلا الله تعالى.
روي عن أبي الحسن هبة الله بن الحسن الأديب
لابن دريد يرثي الطبري في قصيدة طويلة جاء
فيها:
لن
تستطيع لأمــر الله تعقيـبا***** فاستنجد الصبر أو
فاستشعر الحوبـا
وافزع
إلى كنف التسليم وارض بما***** قضى المهيمن
مكروهــا ومحبوبا
إن
الـــرزية لا وفر تزعزعه*****أيدي الحوادث
تشتيتـــا وتشذيبــا
ولا
تفـرق ألاف يفـــوت بهم*****بين يغادر حبـل
الوصــل مقضـوبا
لكن فقدان من أضحى بمصرعه***** نور الهدى
وبهــاء العلم مسلوبــا
إن المنية لم تتلف به رجـــلا*****بل أتلفت
علمـا للديــن منصوبــا
أهدى الردى للثــرى إذ نال مهجته*****نجما
على من يعادي الحق مصبوبا
كان الزمان به تصفـو مشاربه*****فالآن أصبح
بالتكدــير مقطوبــــا
كــلا وأيامه الغر التي
جــعلت*****للعـــلم نورا وللتقوى محاريبــا
لا ينسري الدهر عن شبه له أبدا*****ما
استوقف الحج بالأنصاب أركــوبا
إذا انتضى الرأي في إيضاح مشكلة*****أعــاد
منهجها المطموس ملحوبا
لا يولج اللغـو والعــوراء مسمــعه*****ولا
يقارف ما يغشيه تأنيبــا
تجــلو مواعظـه رين القلوب كما*****يجلو
ضياء سنا الصبح الغياهـيبا
لا يـأمن العجز والتقصـير مادحه*****ولا
يخاف على الإطناب تكــذيـبا
ودت بقــاع بلاد الله لو جعلت*****قــبرا
له لحباها جســمه طــيبا
كانت حياـــتك للدنيا وساكنها***** نورا
فأصبح عنها النور محجوبــا
لو تعلم الأرض من وارت لقد***** خشعت
أقطارها لك إجــلالا وترحيبا
إن يندبوك فقد ثلت عروشــهم*****وأصبح
العلم مرثيــا ومندوبــا
ومن أعاجيب ما جاء الزمان به*****وقد
يبــ،ين لنا الدهــر الأعاجيبا
أن
قد طوتك غموض الأرض في لحف*****وكنت تملأ منها
السهل واللوبا
وقال أبو سعيد بن الأعرابي:
حدث مفظع وخطب جليل*****دق عن مثله اصطبار
الصبور
قام ناعي العلوم أجمع لما*****قــام ناعي
محمد بن جرير
|