الأحد، 19 مارس 2023

من سورة ق

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٢_١٥
من سورة ق
﴿كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحࣲ وَأَصۡحَـٰبُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعَادࣱ وَفِرۡعَوۡنُ وَإِخۡوَ ٰ⁠نُ لُوطࣲ (١٣) وَأَصۡحَـٰبُ ٱلۡأَیۡكَةِ وَقَوۡمُ تُبَّعࣲۚ كُلࣱّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِیدِ (١٤) أَفَعَیِینَا بِٱلۡخَلۡقِ ٱلۡأَوَّلِۚ بَلۡ هُمۡ فِی لَبۡسࣲ مِّنۡ خَلۡقࣲ جَدِیدࣲ (١٥)﴾ [ق ١٢-١٥]

يَقُولُ تَعَالَى مُتَهَدِّدًا لِكَفَّارِ قُرَيْشٍ بِمَا أَحَلَّهُ بِأَشْبَاهِهِمْ وَنُظَرَائِهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ قَبْلَهُمْ، مِنَ النَّقَمَاتِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ فِي الدُّنْيَا، كَقَوْمِ نُوحٍ وَمَا عَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْغَرَقِ الْعَامِّ(١) لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَصْحَابِ الرَّسِّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُمْ فِي سُورَةِ "الْفُرْقَانِ"(٢) ﴿وَثَمُودُ. وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ﴾ ، وَهُمْ أُمَّتُهُ الَّذِينَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ سَدُومَ وَمُعَامَلَتُهَا مِنَ الْغَوْرِ، وَكَيْفَ خَسَفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَأَحَالَ أَرْضَهُمْ بُحَيْرَةً مُنْتِنَةً خَبِيثَةً؛ بِكُفْرِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمُ الْحَقَّ.﴿وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ﴾ وَهُمْ قَوْمُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ﴿وَقَوْمُ تُبَّعٍ﴾ وَهُوَ الْيَمَانِيُّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ شَأْنِهِ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ مَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ أَيْ: كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ وَهَؤُلَاءِ الْقُرُونِ كَذَّبَ رَسُولَهُ(٣) ، وَمَنْ كَذَّبَ رَسُولًا(٤) فَكَأَنَّمَا كَذَّبَ جَمِيعَ الرُّسُلِ، كَقَوْلِهِ: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ١٠٥] ، وَإِنَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ وَاحِدٌ، فَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَوْ جَاءَهُمْ جَمِيعُ الرُّسُلِ كَذَّبُوهُمْ، ﴿فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ أَيْ: فَحَقَّ عَلَيْهِمْ مَا أَوْعَدَهُمُ اللَّهُ، عَلَى التَّكْذِيبِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ فَلْيَحْذَرِ الْمُخَاطَبُونَ أَنْ يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ كَذَّبُوا رَسُولَهُمْ كَمَا كَذَّبَ أُولَئِكَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأوَّلِ﴾ أَيْ: أَفَأَعْجَزَنَا(٥) ابْتِدَاءُ الْخَلْقِ حَتَّى هُمْ فِي شَكٍّ مِنَ الْإِعَادَةِ، ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ وَالْمَعْنَى: أَنَّ ابْتِدَاءَ الْخَلْقِ لَمْ يُعْجِزْنَا وَالْإِعَادَةُ أَسْهَلُ مِنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الرُّومِ: ٢٧] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: ٧٨-٧٩] ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحِ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَقُولُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بأهون علي من إعادته"(٦) .

(١) في م: "العظيم".
(٢) تقدم ذلك في سورة الفرقان عند الآية رقم (٣٨) .
(٣) في أ: "رسولهم".
(٤) في م: "برسول".
(٥) في م: "فأعجزنا".
(٦) صحيح البخاري برقم (٤٩٧٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))