السبت، 9 سبتمبر 2023

من سورة الغاشية

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٨_١٦
من سورة الغاشية 
﴿وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاعِمَةࣱ (٨) لِّسَعۡیِهَا رَاضِیَةࣱ (٩) فِی جَنَّةٍ عَالِیَةࣲ (١٠) لَّا تَسۡمَعُ فِیهَا لَـٰغِیَةࣰ (١١) فِیهَا عَیۡنࣱ جَارِیَةࣱ (١٢) فِیهَا سُرُرࣱ مَّرۡفُوعَةࣱ (١٣) وَأَكۡوَابࣱ مَّوۡضُوعَةࣱ (١٤) وَنَمَارِقُ مَصۡفُوفَةࣱ (١٥) وَزَرَابِیُّ مَبۡثُوثَةٌ (١٦)﴾ [الغاشية ٨-١٦]

لَمَّا ذَكَرَ حَالَ الْأَشْقِيَاءِ، ثَنَّى بِذِكْرِ السُّعَدَاءِ فَقَالَ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿نَّاعِمَةٌ﴾ أَيْ: يُعْرَفُ النَّعِيمُ فِيهَا. وَإِنَّمَا حَصَل لَهَا ذَلِكَ بِسَعْيِهَا.وَقَالَ سُفْيَانُ: ﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ قَدْ رَضِيَتْ عَمَلَهَا.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ أَيْ: رَفِيعَةٌ بَهِيَّةٌ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ، ﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً﴾ أَيْ: لَا يُسْمَعُ فِي الْجَنَّةِ الَّتِي هُمْ فِيهَا كَلِمَةَ لَغْوٍ. كَمَا قَالَ: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا﴾ [مَرْيَمَ:٦٢] وَقَالَ: ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ﴾ [الطَّوْرِ:٢٣] وَقَالَ: ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٢٥، ٢٦]﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ أَيْ: سَارِحَةٌ. وَهَذِهِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا عَيْنًا وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا هَذَا جِنْسٌ، يَعْنِي: فِيهَا عُيُونٌ جَارِيَاتٌ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: قُرئ عَلَى الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ قُرَّة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرة، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَفْجُرُ مِنْ تَحْتِ تِلَالِ-أَوْ: مِنْ تَحْتِ جِبَالِ-الْمِسْكِ"(١) .﴿فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ﴾ أَيْ: عَالِيَةٌ نَاعِمَةٌ كَثِيرَةُ الْفَرْشِ، مُرْتَفِعَةُ السَّمْك، عَلَيْهَا الْحُورُ الْعِينُ. قَالُوا: فَإِذَا أَرَادَ وَليُّ اللَّهِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى تِلْكَ السُّرُرِ الْعَالِيَةِ تَوَاضَعَتْ لَهُ، ﴿وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ﴾ يَعْنِي: أَوَانِي الشُّرْبِ مُعَدَّةٌ مُرصدة(٢) لِمَنْ أَرَادَهَا مِنْ أَرْبَابِهَا، ﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّمَارِقُ: الْوَسَائِدُ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الزَّرَابِيُّ: الْبُسُطُ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.وَمَعْنَى مَبْثُوثَةٍ، أَيْ: هَاهُنَا وَهَاهُنَا لِمَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ عَلَيْهَا.وَنَذْكُرُ هَاهُنَا هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ الْمُعَافِرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى: حَدَّثَنِي كُرَيْب أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَلَا هَلْ مِنْ مُشَمَّر لِلْجَنَّةِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَر لَهَا، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وحُلَل كَثِيرَةٌ، وَمَقَامٌ فِي أَبَدٍ فِي دارٍ سَلِيمَةٍ، وَفَاكِهَةٍ وَخُضْرَةٍ، وَحَبْرَةٍ وَنَعْمَةٍ، فِي مَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ بَهِيَّةٍ؟ ". قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا. قَالَ: " قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ". قَالَ الْقَوْمُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ.وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيِّ، عَنِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ(٣) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ بِهِ(٤) .

(١) ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (٢٦٢٢) "موارد" من طريق القراطيسي، عن أسد بن موسى به.
(٢) في م: "موضوعة".
(٣) في أ: "سلمة".
(٤) البعث لابن أبي داود برقم (٧١) وسنن ابن ماجة برقم (٤٣٣٢) وقال البوصيري في الزوائد (٣/٣٢٥) : "هذا إسناد فيه مقال، الضحاك المعافري ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في طبقات التهذيب: "مجهول". وسليمان بن موسى مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))