الأربعاء، 30 أغسطس 2023

من سورة المطففين

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٨_٢٨
من سورة المطففين 
﴿كَلَّاۤ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِی عِلِّیِّینَ (١٨) وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا عِلِّیُّونَ (١٩) كِتَـٰبࣱ مَّرۡقُومࣱ (٢٠) یَشۡهَدُهُ ٱلۡمُقَرَّبُونَ (٢١) إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمٍ (٢٢) عَلَى ٱلۡأَرَاۤىِٕكِ یَنظُرُونَ (٢٣) تَعۡرِفُ فِی وُجُوهِهِمۡ نَضۡرَةَ ٱلنَّعِیمِ (٢٤) یُسۡقَوۡنَ مِن رَّحِیقࣲ مَّخۡتُومٍ (٢٥) خِتَـٰمُهُۥ مِسۡكࣱۚ وَفِی ذَ ٰ⁠لِكَ فَلۡیَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَـٰفِسُونَ (٢٦) وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسۡنِیمٍ (٢٧) عَیۡنࣰا یَشۡرَبُ بِهَا ٱلۡمُقَرَّبُونَ (٢٨)﴾ [المطففين ١٨-٢٨]

يَقُولُ تَعَالَى: حَقًّا ﴿إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ﴾ وَهُمْ بِخِلَافِ الْفُجَّارِ، ﴿لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ أَيْ: مَصِيرُهُمْ إِلَى عِلِّيِّينَ، وَهُوَ بِخِلَافِ سِجِّينٍ.قَالَ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَمر بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَاف قَالَ: سَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا وَأَنَا حَاضِرٌ عَنْ سِجِّينٍ، قَالَ: هِيَ الْأَرْضُ السَّابِعَةُ، وَفِيهَا أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ. وَسَأَلَهُ عَنْ عِلّيين فَقَالَ: هِيَ السَّمَاءُ السَّابِعَةُ، وَفِيهَا أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ. وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّهَا السَّمَاءُ السَّابِعَةُ.وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ يَعْنِي: الْجَنَّةَ.وَفِي رِوَايَةِ العَوفي، عَنْهُ: أَعْمَالُهُمْ فِي السَّمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ.وَقَالَ قَتَادَةُ: عِلِّيُّونَ: سَاقُ الْعَرْشِ الْيُمْنَى. وَقَالَ غَيْرُهُ: عِلِّيُّونَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى.وَالظَّاهِرُ: أَنَّ عِلِّيِّينَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعُلُوِّ، وَكُلَّمَا عَلَا الشَّيْءُ وَارْتَفَعَ عَظُمَ وَاتَّسَعَ؛ وَلِهَذَا قَالَ مُعَظِّمًا أَمْرَهُ وَمُفَخِّمًا شَأْنَهُ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّون﴾ ثُمَّ قَالَ مُؤَكِّدًا لِمَا كَتَبَ لَهُمْ: ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، قَالَهُ قَتَادَةُ.وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَشْهَدُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا.ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ فِي نَعِيمٍ مُقِيمٍ، وَجَنَّاتٍ فِيهَا فَضْلٌ عَمِيمٌ، ﴿عَلَى الأرَائِكِ﴾ وَهِيَ: السُّرُرُ تَحْتَ الحِجَال، ﴿يَنْظُرُونَ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ: يَنْظُرُونَ فِي مُلكهم وَمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالْفَضْلِ الَّذِي لَا يَنْقَضِي وَلَا يَبِيدُ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ﴿عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا مُقَابَلَةٌ(١) لِمَا وُصف بِهِ أُولَئِكَ الْفُجَّارُ: ﴿كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ فَذَكَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ يُبَاحُونَ النَّظَرَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ عَلَى سُرُرِهِمْ وَفُرُشِهِمْ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: "إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ مَسِيرَةَ أَلْفَيْ سَنَةٍ، يَرَى أَقْصَاهُ كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ"(٢) .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾ أَيْ: تَعْرِفُ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهِمْ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ، أَيْ: صِفَةَ التَّرَافَةِ وَالْحِشْمَةِ وَالسُّرُورِ والدِّعة وَالرِّيَاسَةِ؛ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ الْعَظِيمِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾ أَيْ: يُسْقَوْنَ مِنْ خَمْرٍ مِنَ الْجَنَّةِ. وَالرَّحِيقُ: مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ.قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سَعْدٍ(٣) أَبِي الْمُجَاهِدِ الطَّائِيِّ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-أَرَاهُ قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ-قَالَ: "أَيُّمَا مؤمن سقى مُؤْمِنًا شَرْبَةً(٤) عَلَى ظَمَأٍ، سَقَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ. وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ، أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ. وَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ كَسَا مُؤْمِنًا ثَوْبًا عَلَى عُري، كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضر الْجَنَّةِ"(٥) .وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ أَيْ: خَلْطُهُ مِسْكٌ.وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: طَيَّبَ اللَّهُ لَهُمُ الْخَمْرَ، فَكَانَ آخِرُ شَيْءٍ جُعِلَ فِيهَا مِسْكٌ، خُتِم بِمِسْكٍ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ.وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ أَيْ: عَاقِبَتُهُ مِسْكٌ.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ قَالَ: شَرَابٌ أَبْيَضُ مِثْلُ الْفِضَّةِ، يَخْتِمُونَ بِهِ شَرَابَهُمْ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِيهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، لَمْ يَبْقَ ذُو رُوحٍ إِلَّا وَجَدَ طِيبَهَا(٦) .وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ قَالَ: طِيبُهُ مِسْكٌ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ أَيْ: وَفِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ فَلْيَتَفَاخَرِ المتفاخرون، وليتباهى وَيُكَاثِرْ(٧) وَيَسْتَبِقْ إِلَى مِثْلِهِ الْمُسْتَبِقُونَ. كَقَوْلِهِ: ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٦١] .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ﴾ أَيْ: وَمِزَاجُ هَذَا الرَّحِيقِ الْمَوْصُوفِ مِنْ تَسْنِيمٍ، أَيْ: مِنْ شَرَابٍ يُقَالُ لَهُ تَسْنِيمٌ، وَهُوَ أَشْرَفُ شَرَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَعْلَاهُ. قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ وَالضَّحَّاكُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ أَيْ: يَشْرَبُهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وتُمزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ مَزجًا. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ.

(١) في أ: "مقابل".
(٢) تقدم تخريج الحديث عند تفسير الآيتين: ٢٢،٢٣ من سورة القيامة.
(٣) في أ: "عن سعيد".
(٤) في م: "شربة ماء".
(٥) المسند (٣/١٣) وعطية العوفي ضعيف.
(٦) تفسير الطبري (٣٠/٦٨) .
(٧) في م، أ: "ويتكاثر".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

من سورة المطففين

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٧_١٧
من سورة المطففين 
﴿كَلَّاۤ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلۡفُجَّارِ لَفِی سِجِّینࣲ (٧) وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا سِجِّینࣱ (٨) كِتَـٰبࣱ مَّرۡقُومࣱ (٩) وَیۡلࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلۡمُكَذِّبِینَ (١٠) ٱلَّذِینَ یُكَذِّبُونَ بِیَوۡمِ ٱلدِّینِ (١١) وَمَا یُكَذِّبُ بِهِۦۤ إِلَّا كُلُّ مُعۡتَدٍ أَثِیمٍ (١٢) إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَیۡهِ ءَایَـٰتُنَا قَالَ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ (١٣) كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ (١٤) كَلَّاۤ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ لَّمَحۡجُوبُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّهُمۡ لَصَالُوا۟ ٱلۡجَحِیمِ (١٦) ثُمَّ یُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِی كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ (١٧)﴾ [المطففين ٧-١٧]

يَقُولُ: حَقًّا ﴿إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ﴾ أَيْ: إِنَّ مَصِيرَهُمْ وَمَأْوَاهُمْ لَفِي سِجِّينٍ-فِعِيلٍ مِنَ السَّجن، وَهُوَ الضِّيِقُ-كَمَا يُقَالُ: فِسِّيقٌ وَشِرِّيبٌ وَخِمِّيرٌ وَسِكِّيرٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَلِهَذَا عَظُمَ أَمْرُهُ فَقَالَ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾ ؟ أَيْ: هُوَ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَسِجْنٌ مُقِيمٌ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ.ثُمَّ قَدْ قَالَ قَائِلُونَ: هِيَ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي رُوحِ الْكَافِرِ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ.وَسَجِّينٌ: هِيَ تَحْتَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ. وَقِيلَ: صَخْرَةٌ تَحْتَ السَّابِعَةِ خَضْرَاءُ. وَقِيلَ: بِئْرٌ فِي جَهَنَّمَ.وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا غَرِيبًا مُنْكَرًا لَا يَصِحُّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مسعود بن موسى بن مُشكان الواسطي، حدثنا نَصر بْنُ خُزَيمة الْوَاسِطِيُّ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ صَفْوَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "الْفَلَقُ: جُبٌّ فِي جَهَنَّمَ(١) مُغَطَّى، وَأَمَّا سِجِّينٌ فَمَفْتُوحٌ"(٢) .وَالصَّحِيحُ أَنْ "سِجِّينًا" مَأْخُوذٌ مِنَ السَّجن، وَهُوَ الضِّيقُ، فَإِنَّ الْمَخْلُوقَاتِ كُلُّ مَا تَسَافَلَ مِنْهَا ضَاقَ، وَكُلُّ مَا تَعَالَى مِنْهَا اتَّسَعَ، فَإِنَّ الْأَفْلَاكَ السَّبْعَةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْسَعُ وَأَعْلَى مِنَ الَّذِي دُونَهُ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَوْسَعُ مِنَ الَّتِي دُونَهَا، حَتَّى يَنْتَهِيَ السُّفُولُ الْمُطْلَقُ وَالْمَحَلُّ الْأَضْيَقُ إِلَى الْمَرْكَزِ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ. وَلَمَّا كَانَ مَصِيرُ الْفُجَّارِ إِلَى جَهَنَّمَ وَهِيَ أَسْفَلُ السَّافِلِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [التِّينِ] : ٥، ٦] . وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾ وَهُوَ يَجْمَعُ الضِّيقَ والسفول، كما قال: ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ [الْفُرْقَانِ: ١٣] .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿كِتَابٌ مَرْقُومٌ﴾ لَيْسَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ﴾ وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ(٣) لِمَا كُتِبَ لَهُمْ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى سِجِّينٍ، أَيْ: مَرْقُومٌ مَكْتُوبٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، لَا يُزَادُ فِيهِ أَحَدٌ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ أَحَدٌ؛ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ.ثُمَّ قَالَ: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ أَيْ: إِذَا صَارُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَا أَوْعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ السَّجن وَالْعَذَابِ الْمُهِينِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيْلٌ﴾ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ(٤) الْهَلَاكُ وَالدَّمَارُ، كَمَا يُقَالُ: وَيْلٌ لِفُلَانٍ. وَكَمَا جَاءَ فِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ بَهْز بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيَدة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّث فَيَكْذِبُ، ليضحِكَ النَّاسَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ"(٥) .ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُفَسِّرًا لِلْمُكَذِّبِينَ الْفُجَّارِ الْكَفَرَةِ: ﴿الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ أَيْ: لَا يُصَدِّقُونَ بِوُقُوعِهِ، وَلَا يَعْتَقِدُونَ كَوْنَهُ، وَيَسْتَبْعِدُونَ أَمْرَهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ أَيْ: مُعْتَدٍ فِي أَفْعَالِهِ؛ مِنْ تَعَاطِي الْحَرَامِ وَالْمُجَاوَزَةِ فِي تَنَاوُلِ الْمُبَاحِ وَالْأَثِيمِ(٦) فِي أَقْوَالِهِ: إِنْ حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِنْ وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِنْ خَاصَمَ فَجَرَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ أَيْ: إِذَا سَمِعَ كَلَامَ اللَّهِ مِنَ الرَّسُولِ، يُكَذِّبُ بِهِ، وَيَظُنُّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ، فَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُفْتَعَلٌ مَجْمُوعٌ مِنْ كُتُبِ الْأَوَائِلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ [النَّحْلِ: ٢٤] ، وَقَالَ: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾ [الْفُرْقَانِ: ٥] ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا وَلَا كَمَا قَالُوا، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، بَلْ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيلُهُ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ، وَإِنَّمَا حَجَبَ قُلُوبَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ مَا عَلَيْهَا مِنَ الرَّيْن الَّذِي قَدْ لَبِسَ قُلُوبَهُمْ مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ وَالرَّيْنُ يَعْتَرِي قلوبَ الْكَافِرِينَ، وَالْغَيْمُ لِلْأَبْرَارِ، وَالْغَيْنُ لِلْمُقَرَّبِينَ.وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلان، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ مِنْهَا صُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ زَادَ زَادَتْ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(٧) .وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِت فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ، فَإِنْ هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صُقِل قَلْبُهُ، فَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَهُوَ الرَّانُ الَّذِي قال الله: ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾وَقَالَ أَحْمَدُ:حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَجْلان، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِل قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَذَاكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ: ﴿كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ "(٨) .وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ:هُوَ الذَّنْبُ عَلَى الذَّنْبِ، حَتَّى يَعْمَى الْقَلْبُ، فَيَمُوتُ. وَكَذَا قال مجاهد ابن جَبْرٍ وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ أَيْ: لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنزلٌ وَنُزُلٌ سِجِّينٌ، ثُمَّ هُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ(٩) ذَلِكَ مَحْجُوبُونَ عَنْ رُؤْيَةِ رَبِّهِمْ وَخَالِقِهِمْ.قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ: [فِي](١٠) هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَئِذٍ(١١) .وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِمَفْهُومِ هَذِهِ الْآيَةِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَنْطُوقُ قَوْلِهِ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [الْقِيَامَةِ: ٢٢، ٢٣] . وَكَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ(١٢) الْمُتَوَاتِرَةُ فِي رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، رُؤْيَةٌ بِالْأَبْصَارِ فِي عَرَصات الْقِيَامَةِ، وَفِي رَوْضَاتِ الْجِنَانِ الْفَاخِرَةِ.وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ [مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارٍ الرَّازِيُّ](١٣) : حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ المنْقَريّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ابن سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: ﴿كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ قَالَ: يُكْشَفُ الْحِجَابُ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ، ثُمَّ يُحْجَبُ عَنْهُ الْكَافِرُونَ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِ الْمُؤْمِنُونَ. كُلّ يَوْمٍ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً-أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ.قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ﴾ أَيْ: ثُمَّ هُمْ مَعَ هَذَا الْحِرْمَانِ عَنْ رُؤْيَةِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَهْلِ النِّيرَانِ، ﴿ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، وَالتَّصْغِيرِ وَالتَّحْقِيرِ.

(١) في م: "في وادي جهنم".
(٢) تفسير الطبري (٣٠/٦١) .
(٣) في م: "تقرير".
(٤) في أ: "ذلك أنه".
(٥) المسند (٥/٥،٧) وسنن أبي داود برقم (٤٩٩٠) وسنن الترمذي برقم (٢٣١٥) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٥٥) .
(٦) في أ: "والإثم".
(٧) تفسير الطبري (٣٠/٦٢) وسنن الترمذي برقم (٣٣٣٤) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٥٨) وسنن ابن ماجة برقم (٤٢٤٤) .
(٨) المسند (٢/٢٩٧) .
(٩) في م: "بعد".
(١٠) زيادة من م، أ.
(١١) رواه البيهقي في مناقب الشافعي (١/٤١٩) .
(١٢) في م: "الصحيحة".
(١٣) زيادة من م، أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الاثنين، 28 أغسطس 2023

من سورة الانفطار

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٣_١٩
من سورة الانفطار 
﴿إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمࣲ (١٣) وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِی جَحِیمࣲ (١٤) یَصۡلَوۡنَهَا یَوۡمَ ٱلدِّینِ (١٥) وَمَا هُمۡ عَنۡهَا بِغَاۤىِٕبِینَ (١٦) وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا یَوۡمُ ٱلدِّینِ (١٧) ثُمَّ مَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا یَوۡمُ ٱلدِّینِ (١٨) یَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡسࣱ لِّنَفۡسࣲ شَیۡـࣰٔاۖ وَٱلۡأَمۡرُ یَوۡمَىِٕذࣲ لِّلَّهِ (١٩)﴾ [الانفطار ١٣-١٩]

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا يَصِيرُ الْأَبْرَارُ إِلَيْهِ مِنَ النَّعِيمِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَطَاعُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يُقَابِلُوهُ بِالْمَعَاصِي.وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "مُوسَى بْنِ مُحَمَّدٍ"، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَارِبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "إِنَّمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ الْأَبْرَارَ لِأَنَّهُمْ بَروا الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ"(١) .ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ الْفُجَّارُ مِنَ الْجَحِيمِ وَالْعَذَابِ الْمُقِيمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ وَالْقِيَامَةِ، ﴿وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾ أَيْ: لَا يَغِيبُونَ عَنِ الْعَذَابِ سَاعَةً وَاحِدَةً، وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا، وَلَا يُجَابُونَ إِلَى مَا يَسْأَلُونَ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الرَّاحَةِ، وَلَوْ يَوْمًا وَاحِدًا.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ تَعْظِيمٌ لِشَأْنِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ﴾ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ أَيْ:لَا يَقْدِرُ وَاحِدٌ(٢) عَلَى نَفْعِ أَحَدٍ وَلَا خَلَاصِهِ مِمَّا هُوَ فِيهِ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى.وَنَذْكُرُ هَاهُنَا حَدِيثَ: "يَا بَنِي هَاشِمٍ، أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا". وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ "الشُّعَرَاءِ"؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غَافِرٍ: ١٦] ، وَكَقَوْلِهِ: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ﴾ [الْفُرْقَانِ: ٢٦] ، وَكَقَوْلِهِ ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الْفَاتِحَةِ: ٤] .قَالَ قَتَادَةُ:} يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ وَالْأَمْرُ-وَاللَّهِ-الْيَوْمَ لِلَّهِ، وَلَكِنَّهُ يَوْمَئِذٍ لَا يُنَازِعُهُ أَحَدٌ.آخِرُ تَفْسِيرِ سورة "الانفطار" ولله الحمد.

(١) تاريخ دمشق (١٧/٤٠٠ "المخطوط") .
(٢) في أ: "أحد".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الجمعة، 25 أغسطس 2023

من سورة التكوير

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١_١٤
من سورة التكوير 
﴿إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ (١) وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ (٢) وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُیِّرَتۡ (٣) وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ (٤) وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ (٥) وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ (٦) وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ (٧) وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُىِٕلَتۡ (٨) بِأَیِّ ذَنۢبࣲ قُتِلَتۡ (٩) وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ (١٠) وَإِذَا ٱلسَّمَاۤءُ كُشِطَتۡ (١١) وَإِذَا ٱلۡجَحِیمُ سُعِّرَتۡ (١٢) وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ (١٣) عَلِمَتۡ نَفۡسࣱ مَّاۤ أَحۡضَرَتۡ (١٤)﴾ [التكوير ١-١٤]

تَفْسِيرُ سُورَةِ التَّكْوِيرِوَهِيَ مَكِّيَّةٌ.قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ الْقَاصُّ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ الصَّنْعَانِيَّ أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ سَرَّه أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رأيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: " إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ "، وَ " وإذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ "، وَ " إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ".وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، بِهِ(١) .بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ يَعْنِي: أَظْلَمَتْ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنْهُ: ذَهَبَتْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: اضمحَلّت وذَهَبت. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ.وَقَالَ قَتَادَةُ: ذَهَبَ ضَوْءُهَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ﴿كُوِّرَتْ﴾ غُوّرت.وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيم: ﴿كُوِّرَتْ﴾ يَعْنِي: رُمِيَ بِهَا.وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: ﴿كُوِّرَتْ﴾ أُلْقِيَتْ. وَعَنْهُ أَيْضًا: نُكِّسَتْ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: تَقَعُ فِي الْأَرْضِ.قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّكْوِيرَ جَمعُ الشَّيْءِ بَعْضِهِ إِلَى(٢) بَعْضٍ، وَمِنْهُ تَكْوِيرُ الْعِمَامَةِ [وَهُوَ لَفُّهَا عَلَى الرَّأْسِ، وَكَتَكْوِيرِ الْكَارِهِ، وَهِيَ](٣) جَمْعُ الثِّيَابِ بَعْضُهَا إِلَى(٤) بَعْضٍ، فَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿كُوَّرَتْ﴾ جَمْعُ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لُفَّتْ فَرَمَى بِهَا، وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها(٥) .وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَجِيلة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ قَالَ: يُكَوِّرُ اللَّهُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْبَحْرِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا دَبُّورًا فَتُضْرِمُهَا نَارًا. وَكَذَا قَالَ عَامِرُ الشَّعْبِيُّ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ ابْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ قَالَ: "كُوِّرَتْ فِي جَهَنَّمَ"(٦) .وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيَّان، حَدَّثَنَا دُرُسْتُ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ثَوْرَانِ(٧) عَقِيرَانِ فِي النَّارِ"(٨) .هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ ضَعِيفٌ، وَالَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ:حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ الداناجُ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(٩) .انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ "بِدْءِ الْخَلْقِ"، وَكَانَ جَدِيرًا أَنْ يَذْكُرَهُ هَاهُنَا أَوْ يُكَرِّرَهُ، كَمَا هِيَ عَادَتُهُ فِي أَمْثَالِهِ! وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فَجَوّد إِيرَادَهُ فَقَالَ:حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ-مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، وَجَاءَ الْحَسَنُ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَحدّث قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ نُورَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". فَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَا ذَنْبُهُمَا؟ فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَقُولُ: أَحْسَبُهُ قَالَ: وَمَا ذَنْبُهُمَا.ثُمَّ قَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيرة إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يَرْوِ عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ أَيِ: انْتَثَرَتْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ [الِانْفِطَارِ: ٢] ، وَأَصْلُ الِانْكِدَارِ: الِانْصِبَابُ.قَالَ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: سِتُّ آيَاتٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، بَيْنَا النَّاسُ فِي أَسْوَاقِهِمْ إِذْ ذَهَبَ ضَوْءُ الشَّمْسِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ تَنَاثَرَتِ النُّجُومُ، فَبَيْنَمَا هم كذلك إذ وَقَعَتِ الْجِبَالُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَتَحَرَّكَتْ وَاضْطَرَبَتْ وَاخْتَلَطَتْ، فَفَزِعَتِ الْجِنُّ إِلَى الْإِنْسِ وَالْإِنْسُ إِلَى الْجِنِّ، وَاخْتَلَطَتِ الدَّوَابُّ وَالطَّيْرُ وَالْوُحُوشُ، فَمَاجُوا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ قَالَ: اخْتَلَطَتْ، ﴿وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ﴾ قَالَ: أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا، ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ قَالَ: قَالَتِ الْجِنُّ: نَحْنُ نَأْتِيكُمْ بِالْخَبَرِ. قَالَ: فَانْطَلَقُوا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا هُوَ نَارٌ تَأَجَّجُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ صَدْعَةً وَاحِدَةً إِلَى الْأَرْضِ السَّابِعَةِ السُّفْلَى وَإِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الْعُلْيَا، قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتْهُمُ الرِّيحُ فَأَمَاتَتْهُمْ.رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ(١٠) -وَهَذَا لَفْظُهُ-وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، بِبَعْضِهِ، وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيم(١١) ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ ي: تَنَاثَرَتْ.وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ أَيْ: تَغَيَّرَتْ. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ قَالَ: "انْكَدَرَتْ فِي جَهَنَّمَ، وَكُلُّ مَنْ عَبَدَ مَنْ دُونِ اللَّهِ فَهُوَ فِي جَهَنَّمَ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عِيسَى وَأُمِّهِ، وَلَوْ رَضِيَا أَنْ يُعبَدا لَدَخَلَاهَا". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ﴾ أَيْ: زَالَتْ عَنْ أَمَاكِنِهَا ونُسِفت، فَتَرَكَتِ الْأَرْضَ قَاعًا صَفْصَفًا.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ﴾ قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ: عِشَارُ الْإِبِلِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿عُطِّلَت﴾ تُرِكَتْ وسُيّبت.وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَالضَّحَّاكُ: أَهْمَلَهَا أَهْلُهَا: وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيم(١٢) لَمْ تَحْلِبْ وَلَمْ تُصَرّ، تَخَلَّى مِنْهَا أَرْبَابُهَا.وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تُرِكَتْ لَا رَاعِيَ لَهَا.وَالْمَعْنَى فِي هَذَا كُلِّهِ مُتَقَارِبٌ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْعِشَارَ مِنَ الْإِبِلِ-وَهِيَ: خِيَارُهَا وَالْحَوَامِلُ مِنْهَا الَّتِي قَدْ وَصَلت فِي حَمْلِهَا إِلَى الشَّهْرِ الْعَاشِرِ-وَاحِدُهَا(١٣) عُشَراء، وَلَا يَزَالُ ذَلِكَ اسْمُهَا حَتَّى تَضَعَ-قَدِ اشْتَغَلَ النَّاسُ عَنْهَا وَعَنْ كَفَالَتِهَا وَالِانْتِفَاعِ بِهَا، بَعْدَ مَا كَانُوا أَرْغَبَ شَيْءٍ فِيهَا، بِمَا دَهَمهم مِنَ الْأَمْرِ الْعَظِيمِ المُفظع الْهَائِلِ، وَهُوَ أَمْرُ الْقِيَامَةِ وَانْعِقَادُ أَسْبَابِهَا، وَوُقُوعِ مُقَدِّمَاتِهَا.وَقِيلَ: بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَرَاهَا أَصْحَابُهَا كَذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَيْهَا. وَقَدْ قِيلَ فِي الْعِشَارِ: إِنَّهَا السَّحَابُ يُعطَّل عَنِ الْمَسِيرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لِخَرَابِ الدُّنْيَا. وَ [قَدْ](١٤) قِيلَ: إِنَّهَا الْأَرْضُ الَّتِي تُعشَّر. وَقِيلَ: إِنَّهَا الدِّيَارُ الَّتِي كَانَتْ تَسْكُنُ تُعَطَّل لِذَهَابِ أَهْلِهَا. حَكَى هَذِهِ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِهِ "التَّذْكِرَةُ"، وَرَجَّحَ أَنَّهَا الإبل، وعزاه إلى أكثر الناس(١٥) .قُلْتُ: بَلْ لَا يُعْرَفُ عَنِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ سِوَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ أَيْ: جُمِعَتْ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٣٨] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُحْشَرُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الذُّبَابُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيم(١٦) وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ هَذِهِ الْخَلَائِقَ [مُوَافِيَةً](١٧) فَيَقْضِي اللَّهُ فِيهَا مَا يَشَاءُ.وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حَشْرُهَا: مَوْتُهَا.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، أَخْبَرَنَا حُصَين، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ قَالَ: حَشرُ الْبَهَائِمِ: مَوْتُهَا، وَحَشْرُ كُلِّ شَيْءٍ الْمَوْتُ غَيْرُهُ(١٨) الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، فَإِنَّهُمَا يُوقَفَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيم(١٩) : ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ قَالَ: أَتَى عَلَيْهَا أَمْرُ اللَّهِ. قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ أَبِي: فَذَكَرْتُهُ لِعِكْرِمَةَ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَشْرُهَا: مَوْتُهَا.وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾ اخْتَلَطَتْ.قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالْأُولَى قَولُ مَنْ قَالَ: ﴿حُشِرَت﴾ جُمعت، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً﴾ [ص: ١٩] ، أَيْ: مَجْمُوعَةً.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَية، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِرَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ: أَيْنَ جَهَنَّمُ؟ قَالَ: الْبَحْرُ. فَقَالَ: مَا أَرَاهُ إِلَّا صَادِقًا. ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ [الطَّوْرِ: ٦] ، ﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ﴾ [مُخَفَّفَةٌ](٢٠)(٢١) .وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهَا الدَّبُّورِ فَتُسَعِّرُهَا، وَتَصِيرُ نَارًا تَأَجَّجُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو سُلَيْمَانَ النَّفَّاطُ-شيخٌ صَالِح يُشبهُ مالكَ بْنَ أَنَسٍ-عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْبَحْرَ بَرَكَةٌ-يَعْنِي بَحْرَ الرُّوم-وَسَطَ الْأَرْضِ، وَالْأَنْهَارُ كُلُّهَا تَصُبُّ فِيهِ، وَالْبَحْرُ الْكَبِيرُ يَصُبُّ فِيهِ، وَأَسْفَلُهُ آبَارٌ مُطَبَّقَةٌ بِالنُّحَاسِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أسجر.وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ عَجِيبٌ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: "لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ، فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا" الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ "فَاطِرٍ"(٢٢) .وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ: ﴿سُجِّرَت﴾ أُوقِدَتْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَبِسَتْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ: غَاضَ مَاؤُهَا فَذَهَبَ وَلَمْ يُبْقِ فِيهَا قَطْرَةً. وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَيْضًا: ﴿سُجِّرَتْ﴾ فُجِّرَتْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: فُتِحَتْ وَسُيِّرَتْ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيم(٢٣) ﴿سُجِّرَتْ﴾ فَاضَتْ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ أَيْ: جُمِعَ كُلُّ شَكْلٍ إِلَى نَظِيرِهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٢٢] .وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سمَاك، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ قَالَ: الضُّرَبَاءُ، كُلُّ رَجُلٍ مَعَ كُلِّ قَوْمٍ كَانُوا يَعْمَلُونَ عَمَلَهُ"، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٧ -١٠] ، قَالَ: هُمُ الضُّرَبَاءُ(٢٤) .ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ عُمَر خَطَبَ النَّاسَ فَقَرَأَ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ فَقَالَ: تَزَوّجها: أَنْ تُؤَلَّفَ(٢٥) كُلُّ شِيعَةٍ إِلَى شِيعَتِهِمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: هُمَا الرَّجُلَانِ يَعْمَلَانِ الْعَمَلَ فَيَدْخُلَانِ بِهِ الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ(٢٦) .وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ النُّعْمَانِ قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ فَقَالَ: يُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مَعَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَيُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ السُّوءِ مَعَ الرَّجُلِ السُّوءِ فِي النَّارِ، فَذَلِكَ تَزْوِيجُ الْأَنْفُسِ.وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ النُّعْمَانِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَا تَقُولُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ ؟ فَسَكَتُوا. قَالَ: وَلَكِنْ هُوَ الرَّجُلُ يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالرَّجُلُ يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ قَالَ: ذَلِكَ حِينَ يَكُونُ النَّاسُ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً.وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ قَالَ: الأمثال من الناس جمع بَيْنَهُمْ. وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيم(٢٧) وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.قَوْلٌ آخَرُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَشْعَثَ [بْنِ سَوَّارٍ](٢٨) ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَسِيلُ وَادٍ مَنْ أَصْلِ الْعَرْشِ مِنْ مَاءٍ فِيمَا بَيْنَ الصَّيْحَتَيْنِ، وَمِقْدَارُ مَا بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ عَامًا، فَيَنْبُتُ مِنْهُ كُلُّ خَلْقٍ بَلِيَ، مِنَ الْإِنْسَانِ أَوْ طَيْرٍ أَوْ دَابَّةٍ، وَلَوْ مَرَّ عَلَيْهِمْ مَارٌّ قَدْ عَرَفَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَعَرَفَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ. قَدْ نَبَتُوا، ثُمَّ تُرسَل الْأَرْوَاحُ فَتَزَوَّجُ الْأَجْسَادُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى(٢٩) : ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَعِكْرِمَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ أَيْ: زُوِّجَتْ بِالْأَبْدَانِ. وَقِيلَ: زُوِّجَ الْمُؤْمِنُونَ بِالْحُورِ الْعِينِ، وَزُوِّجَ الْكَافِرُونَ بِالشَّيَاطِينِ. حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي "التَّذْكِرَةِ"(٣٠) .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ هَكَذَا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ: ﴿سُئلَت﴾ وَالْمَوْءُودَةُ هِيَ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَدُسُّونَهَا فِي التُّرَابِ كَرَاهِيَةَ الْبَنَاتِ، فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تُسْأَلُ الْمَوْءُودَةُ عَلَى أَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ، لِيَكُونَ ذَلِكَ تَهْدِيدًا لِقَاتِلِهَا، فَإِذَا(٣١) سُئِلَ الْمَظْلُومُ فَمَا ظَنُّ الظَّالِمِ إِذًا؟!وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ أَيْ: سَأَلَتْ. وَكَذَا قَالَ أَبُو الضُّحَى: "سَأَلَتْ" أَيْ: طَالَبَتْ بِدَمِهَا. وَعَنِ السُّدِّيِّ، وَقَتَادَةَ، مِثْلُهُ(٣٢) .وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْءُودَةِ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ-وَهُوَ: مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ-عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ جُدَامة بَنْتِ وَهْبٍ-أُخْتِ عُكَّاشَةَ-قَالَتْ حضرتُ رسولَ اللَّهِ ﷺ فِي نَاسٍ وَهُوَ يَقُولُ: " لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الغيلَة، فَنَظَرْتُ فِي الرُّومِ وَفَارِسَ فَإِذَا هُمْ يُغيلُونَ أَوْلَادَهُمْ، وَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ ذَلِكَ شَيْئًا". ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ، وَهُوَ الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ".وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئِ-وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ-عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ(٣٣) وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ(٣٤) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، بِهِ(٣٥) .وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدي، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الجُعْفي قَالَ: انطلقتُ أَنَا وَأَخِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمَّنَا مُلَيْكَةَ كَانَتْ تَصل الرَّحِمَ وَتُقِرِّي الضَّيْفَ، وَتَفْعَلُ [وَتَفْعَلُ](٣٦) هَلَكَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا؟ قَالَ: "لَا". قُلْنَا: فَإِنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ أُخْتًا لَنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَهَلْ ذَلِكَ نافعُها شَيْئًا؟ قَالَ: "الوائدةُ والموءودةُ فِي النَّارِ، إِلَّا أَنْ يدركَ الوائدةَ الإسلامُ، فَيَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهَا".وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، بِهِ(٣٧) .وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ(٣٨) ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَأَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الْوَائِدَةُ وَالْمَوْءُودَةُ فِي النَّارِ"(٣٩) .وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، حَدَّثَتْنِي حَسْنَاءُ(٤٠) ابْنَةُ مُعَاوِيَةَ الصُّرَيمية، عَنْ عَمِّهَا قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ وَالْمَوْءُودَةُ فِي الْجَنَّةِ"(٤١) .وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "الْمَوْءُودَةُ فِي الْجَنَّةِ".هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجَنَّةِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ فَقَدْ كَذَبَ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ(٤٢) ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْمَدْفُونَةُ.وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سمَاك بْنُ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ [بأَيّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ] ﴾(٤٣) ، قَالَ: جَاءَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وَأَدْتُ بَنَاتٍ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ: "أَعْتِقْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَقَبَةً". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي صَاحِبُ إِبِلٍ؟ قَالَ: "فَانْحَرْ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بَدَنَةً".قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: خُولِفَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَلَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْهُ(٤٤) .وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الظَّهْرَانِيُّ(٤٥) -فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ-قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: "وَأَدْتُ ثَمَانِ بَنَاتٍ لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ". وَقَالَ فِي آخِرِهِ: "فَأَهْدِ إِنْ شِئْتَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ(٤٦) بَدَنَةً". ثُمَّ قَالَ:حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنِ الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَين قَالَ: قَدِمَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي وأدتُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ابْنَةً لِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ-أَوْ: ثَلَاثَ عَشْرَةَ-قَالَ(٤٧) :" أَعْتِقْ عَدَدَهُنَّ نَسِما". قَالَ: فَأَعْتَقَ عَدَدَهُنَّ نَسَمًا، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ جَاءَ بِمِائَةِ نَاقَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ صَدَقَةُ قُومِي عَلَى أَثَرِ مَا صَنَعْتُ بِالْمُسْلِمِينَ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: فَكُنَّا نُرِيحُهَا، وَنُسَمِّيهَا الْقَيْسِيَّةُ(٤٨) .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ﴾ قَالَ الضَّحَّاكُ: أُعْطِيَ كُلُّ إِنْسَانٍ صَحِيفَتَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشِمَالِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: [صَحِيفَتُكَ](٤٩) يَا ابْنَ آدَمَ، تُملى فِيهَا، ثُمَّ تُطْوَى، ثُمَّ تُنْشَرُ عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلْيَنْظُرْ(٥٠) رَجُلٌ مَاذَا يُمْلِي فِي صَحِيفَتِهِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: اجْتُذِبَتْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: كُشِفَتْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تَنْكَشِطُ فَتَذْهَبُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ﴾ قَالَ السُّدِّيُّ: أُحْمِيَتْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أُوقَدَتْ. قَالَ: وَإِنَّمَا يُسَعِّرُهَا غَضَبُ اللَّهِ وَخَطَايَا بَنِي آدَمَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ﴾ قَالَ الضَّحَّاكُ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ خُثَيم(٥١) أَيْ: قَرُبَتْ إِلَى أَهْلِهَا.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ، أَيْ: إِذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ حِينَئِذٍ تَعْلَمُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَأُحْضِرَ ذَلِكَ لَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٣٠] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [الْقِيَامَةِ: ١٣] .قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرّف، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ قَالَ عُمَرُ: لَمَّا بَلَغَ ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ﴾ قال: لهذا أجرىَ الحديثُ.

(١) المسند (٢/٢٧) ، وسنن الترمذي برقم (٣٣٣٣) ، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".
(٢) في م: "على".
(٣) زيادة من تفسير الطبري.
(٤) في م: "على".
(٥) تفسير الطبري (٣٠/٤١) .
(٦) ورواه الديلمي في مسنده، كما في الدر المنثور للسيوطي (٨/٤٢٦) .
(٧) في م، أ، هـ: "نوران"، والصواب بالثاء.
(٨) مسند أبي يعلى (٧/١٤٨) ، ورواه ابن حبان في المجروحين (١/٢٩٣) من طريق درست بن زياد به، وقال في درست بن زياد: "كان منكر الحديث جدا، لا يحل الاحتجاج بخبره. وروى عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فذكر هذا الحديث".
(٩) صحيح البخاري برقم (٣٢٠٠) .
(١٠) تفسير الطبري (٣٠/٤١) .
(١١) في أ: "خيثم".
(١٢) في أ: "خيثم".
(١٣) في م: "واحدتها".
(١٤) زيادة من م.
(١٥) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص ٢١٢،٢١٣) .
(١٦) في أ: "خيثم".
(١٧) زيادة من م، أ.
(١٨) في م: "غير".
(١٩) في أ: "خيثم".
(٢٠) زيادة من تفسير الطبري.
(٢١) تفسير الطبري (٣٠/٤٣) .
(٢٢) لم يتقدم الكلام على الحديث في سورة "فاطر"، وهو في سنن أبي داود برقم (٢٤٨٩) من حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
(٢٣) في أ: "خيثم".
(٢٤) ورواه ابن مردويه في تفسيره، كما في الدر المنثور (٨/٤٢٩) .
(٢٥) في أ: "أن يؤلف الله".
(٢٦) ورواه أبو بكر بن حمدان كما في مسند عمر (٢/٦٢٠) للمؤلف من طريق خلف بن الوليد، عن إسرائيل عن سماك بنحوه، ورواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ (٢/٢٨٤،٢٨٥) ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سماك، عن النعمان، وعن إسرائيل، عن سماك، عن النعمان، ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٥١٥) من طريق سفيان عن سماك، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(٢٧) في أ: "خيثم".
(٢٨) زيادة من م.
(٢٩) في م، أ: "قول الله عز وجل".
(٣٠) التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة (ص ٢١٣) .
(٣١) في م: "فإنه إذا".
(٣٢) انظر: تفسير الطبري (٣٠/٤٥) ، والبحر المحيط لأبي حيان (٨/٤٣٣) .
(٣٣) المسند (٦/٤٣٤) ، وصحيح مسلم برقم (١٤٤٢) .
(٣٤) سنن ابن ماجة برقم (٢٠١١)
(٣٥) صحيح مسلم برقم (١٤٤٢) ، وسنن أبي داود برقم (٣٨٨٢) وسنن الترمذي برقم (٢٠٧٧) وسنن النسائي (٦/١٠٦)
(٣٦) زيادة من م، أوالمسند.
(٣٧) المسند (٣/٤٧٨) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٤٩) .
(٣٨) في أ: "التبريذي".
(٣٩) ورواه أبو داود في السنن برقم (٤٧١٧) من طريق أبي إسحاق، عن عامر، عن علقمة، عن ابن مسعود به، ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٠/١١٤) من طريق أبي إسحاق، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، به.
(٤٠) في م، أ: "خنساء".
(٤١) المسند (٥/٥٨) .
(٤٢) في م: "الله تعالى".
(٤٣) زيادة من أ.
(٤٤) مسند البزار برقم (٢٢٨٠) "كشف الأستار".
(٤٥) في م، أ: "الطبراني".
(٤٦) في م: "واحدة منهن".
(٤٧) في م: "فقال".
(٤٨) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٨/٣٣٨) من طريق يحيى الحماني، عن قيس بن الربيع به نحوه، والحماني ضعيف لكنه توبع هنا.
(٤٩) زيادة من تفسير الطبري (٣٠/٤٦) . مستفادا من هامش ط. الشعب.
(٥٠) في م: "فينظر".
(٥١) في أ: "خيثم".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الخميس، 24 أغسطس 2023

من سورة الأعراف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٠٧_١٠٨
من سورة الأعراف 
﴿فَأَلۡقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِیَ ثُعۡبَانࣱ مُّبِینࣱ (١٠٧) وَنَزَعَ یَدَهُۥ فَإِذَا هِیَ بَیۡضَاۤءُ لِلنَّـٰظِرِینَ (١٠٨)﴾ [الأعراف ١٠٧-١٠٨]

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ الْحَيَّةُ الذَّكَرُ. وَكَذَا قَالَ السدي، والضحاك.وَفِي حَدِيثِ "الفُتُون"، مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنِ الأصْبَغ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ(١) سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ﴾ فَتَحَوَّلَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً فَاغِرَةً فَاهَا، مُسْرِعَةً إِلَى فِرْعَوْنَ، فَلَمَّا رَآهَا فِرْعَوْنُ أَنَّهَا قَاصِدَةٌ إِلَيْهِ، اقْتَحَمَ عَنْ سَرِيرِهِ، وَاسْتَغَاثَ بِمُوسَى أَنْ يَكُفَّهَا [عَنْهُ](٢) فَفَعَلَ.وَقَالَ قَتَادَةُ: تَحَوَّلَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً مِثْلَ الْمَدِينَةِ.وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ وَالثُّعْبَانُ: الذَّكَرُ مِنَ الْحَيَّاتِ، فَاتِحَةً فَاهَا، وَاضِعَةً لِحْيها، الْأَسْفَلَ فِي الْأَرْضِ، وَالْآخَرَ عَلَى سُورِ الْقَصْرِ، ثُمَّ تَوَجَّهَتْ نَحْوَ فِرْعَوْنَ لِتَأْخُذَهُ. فَلَمَّا رَآهَا ذُعِرَ مِنْهَا، وَوَثَبَ وَأَحْدَثَ، وَلَمْ يَكُنْ يُحْدث قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَاحَ: يَا مُوسَى، خُذْهَا وَأَنَا أُومِنْ بِكَ، وَأُرْسِلْ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَأَخَذَهَا مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَعَادَتْ عَصًا.وَرَوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُ هَذَا.وَقَالَ وَهْب بْنُ مُنَبِّه: لَمَّا دَخَلَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ، قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: أَعْرِفُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: ﴿أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا﴾ [الشُّعَرَاءِ:١٨] ؟ قَالَ: فَرَدَّ إِلَيْهِ مُوسَى الَّذِي رَدَّ، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: خُذُوهُ، فَبَادَرَهُ مُوسَى ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾ فَحَمَلَتْ عَلَى النَّاسِ فَانْهَزَمُوا مِنْهَا، فَمَاتَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَقَامَ فِرْعَوْنُ مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ.رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِهِ "الزُّهْدِ"، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَفِيهِ غَرَابَةٌ فِي سِيَاقِهِ(٣) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَنزعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾ أَيْ: نَزَعَ يَدَهُ: أَخْرَجَهَا مِنْ دِرْعِهِ بَعْدَ مَا أَدْخَلَهَا فِيهِ فَخَرَجَتْ بَيْضَاءُ تَتَلَأْلَأُ مِنْ غَيْرِ بَرَص وَلَا مَرَضٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ [النَّمْلِ:١٢](٤)وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَدِيثِ الْفُتُونِ: [أَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ جَيْبِهِ فَرَآهَا بَيْضَاءَ](٥) ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ، ثُمَّ أَعَادَهَا إِلَى كُمِّهِ، فَعَادَتْ إِلَى لَوْنِهَا الْأَوَّلِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.

(١) في ك، م، أ: "حدثني".
(٢) زيادة من ك، م، أ.
(٣) تفسير الطبري (١٣/١٦) ، والزهد للإمام أحمد برقم (٣٤١) .
(٤) بعدها في د، ك، م، أ: "آية أخرى".
(٥) زيادة من أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الاثنين، 21 أغسطس 2023

من سورة الأعراف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٠١_١٠٢
من سورة الأعراف 
﴿تِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَیۡكَ مِنۡ أَنۢبَاۤىِٕهَاۚ وَلَقَدۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَمَا كَانُوا۟ لِیُؤۡمِنُوا۟ بِمَا كَذَّبُوا۟ مِن قَبۡلُۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ یَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ (١٠١) وَمَا وَجَدۡنَا لِأَكۡثَرِهِم مِّنۡ عَهۡدࣲۖ وَإِن وَجَدۡنَاۤ أَكۡثَرَهُمۡ لَفَـٰسِقِینَ (١٠٢)﴾ [الأعراف ١٠١-١٠٢]

لَمَّا قَصَّ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ خَبَرَ قَوْمِ نُوحٍ، وَهُودٍ، وَصَالِحٍ، وَلُوطٍ، وَشُعَيْبٍ [عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ](١) وَمَا كَانَ مِنْ إِهْلَاكِهِ الْكَافِرِينَ وَإِنْجَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَنَّهُ تَعَالَى أَعْذَرَ إِلَيْهِمْ بِأَنْ بَيَّنَ لَهُمُ الْحَقَّ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ أَيْ: يَا مُحَمَّدُ ﴿مِنْ أَنْبَائِهَا﴾ أَيْ: مِنْ أَخْبَارِهَا، ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أَيْ: بِالْحُجَجِ عَلَى صِدْقِهِمْ فِيمَا أَخْبَرُوهُمْ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الْإِسْرَاءِ:١٥] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ [هُودٍ:١٠١، ١٠٢]
* * *وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ، أَيْ: فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ بِالْحَقِّ أَوَّلَ مَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ. حَكَاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ حَسَنٌ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ [فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُون](٢) َ﴾ [الأنعام:١١٠، ١١١] ؛ وَلِهَذَا قَالَ هُنَا: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ * وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ﴾ أَيْ: لِأَكْثَرِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ ﴿مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ﴾ أَيْ: وَلَقَدْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ فَاسِقِينَ خَارِجِينَ عَنِ الطَّاعَةِ وَالِامْتِثَالِ. وَالْعَهْدُ الَّذِي أَخَذَهُ [عَلَيْهِمْ](٣) هُوَ مَا جَبَلَهُمْ عَلَيْهِ وَفَطَرَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَصْلَابِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ وَمَلِيكُهُمْ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ، وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِهِ، فَخَالَفُوهُ وَتَرَكُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، وَعَبَدُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا حُجَّةٍ، لَا مِنْ عَقْلٍ وَلَا شَرْعٍ، وَفِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ خِلَافُ ذَلِكَ، وَجَاءَتِ الرُّسُلُ الْكِرَامُ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: "إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاء، فَجَاءَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وحَرّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أحللتُ لَهُمْ". وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ" الْحَدِيثَ. وَقَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ:٢٥] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ:٤٥] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النَّحْلِ:٣٦] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.وَقَدْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ مَا رَوَى(٤) أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبيّ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ قَالَ: كَانَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى يَوْمَ أَقَرُّوا لَهُ بِالْمِيثَاقِ، أَيْ: فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا لِعِلْمِ اللَّهِ مِنْهُمْ ذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ قَالَ: ذَلِكَ يَوْمَ أَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ فَآمَنُوا كَرْهًا.وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ﴾ هَذَا كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا [لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ](٥) ﴾ [الْأَنْعَامِ:٢٨]

(١) زيادة من أ.
(٢) زيادة من ك، م، أ. وفي هـ: "الآية".
(٣) زيادة من م.
(٤) في أ: "فقال".
(٥) زيادة من ك، أ. وفي هـ: "الآية".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الأربعاء، 16 أغسطس 2023

من سورة النازعات

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١_١٤
من سورة النازعات 
﴿وَٱلنَّـٰزِعَـٰتِ غَرۡقࣰا (١) وَٱلنَّـٰشِطَـٰتِ نَشۡطࣰا (٢) وَٱلسَّـٰبِحَـٰتِ سَبۡحࣰا (٣) فَٱلسَّـٰبِقَـٰتِ سَبۡقࣰا (٤) فَٱلۡمُدَبِّرَ ٰ⁠تِ أَمۡرࣰا (٥) یَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ (٦) تَتۡبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ وَاجِفَةٌ (٨) أَبۡصَـٰرُهَا خَـٰشِعَةࣱ (٩) یَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرۡدُودُونَ فِی ٱلۡحَافِرَةِ (١٠) أَءِذَا كُنَّا عِظَـٰمࣰا نَّخِرَةࣰ (١١) قَالُوا۟ تِلۡكَ إِذࣰا كَرَّةٌ خَاسِرَةࣱ (١٢) فَإِنَّمَا هِیَ زَجۡرَةࣱ وَ ٰ⁠حِدَةࣱ (١٣) فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ (١٤)﴾ [النازعات ١-١٤]

تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّازِعَاتِوَهِيَ مَكِّيَّةٌ.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَأَبُو الضُّحَى، والسُّدي: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ الْمَلَائِكَةُ، يَعْنُونَ حِينَ تُنْزَعُ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ رُوحَهُ بعُنف فَتُغرق فِي نَزْعِهَا، وَ [مِنْهُمْ](١) مَنْ تَأْخُذُ رُوحَهُ بِسُهُولَةٍ وَكَأَنَّمَا حَلَّته مِنْ نَشَاطٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالنَّازِعَاتِ﴾ هِيَ أَنْفُسُ الْكُفَّارِ، تُنزع ثُمَّ تُنشَط، ثُمَّ تَغْرَقُ فِي النَّارِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا﴾ الْمَوْتُ.وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: ﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا﴾ هِيَ النُّجُومُ.وَقَالَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَباح فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالنَّازِعَاتِ﴾ وَ ﴿النَّاشِطَاتِ﴾ هِيَ الْقِسِيُّ فِي الْقِتَالِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ. ورُوي عَنْ عَلِيٍّ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَأَبِي صَالِحٍ مثلُ ذَلِكَ.وَعَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا﴾ الْمَوْتُ.وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ النُّجُومُ. وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: هِيَ السُّفُنُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾ رُوي عَنْ عَلِيٍّ، وَمَسْرُوقٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي صَالِحٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ؛ قَالَ الْحَسَنُ: سَبَقَتْ إِلَى الْإِيمَانِ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: الْمَوْتُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ النُّجُومُ وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ الْخَيْلُ فِي سبيل الله.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ قَالَ عَلِيٌّ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالسُّدِّيُّ: هِيَ الْمَلَائِكَةُ-زَادَ الْحَسَنُ: تُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ. يَعْنِي: بِأَمْرِ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي هَذَا، وَلَمْ يَقْطَعِ ابْنُ جَرِيرٍ بِالْمُرَادِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ حَكَى فِي ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا﴾ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ، وَلَا أَثْبَتَ وَلَا نَفَى.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَمًّا النَّفْخَتَانِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ. وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.وَعَنْ مُجَاهِدٍ: أَمَّا الْأُولَى-وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ﴾ -فَكَقَوْلِهِ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالْجِبَالُ﴾ [الْمُزَّمِّلِ: ١٤] ، وَالثَّانِيَةُ-وَهِيَ الرَّادِفَةُ-فَهِيَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَحُمِلَتِ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ [الْحَاقَّةِ: ١٤] .وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتَيْ كُلَّهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: "إِذًا يَكْفِيكَ اللَّهُ مَا أهَمَّك مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ".وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلِهِ(٢) وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا ذَهَبَ ثُلْثُ اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ".
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي خَائِفَةٌ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ.﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾ أَيْ: أَبْصَارُ أَصْحَابِهَا. وَإِنَّمَا أُضِيفَ إِلَيْهَا؛ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ: ذَلِيلَةٌ حَقِيرَةٌ؛ مِمَّا عَايَنَتْ مِنَ الْأَهْوَالِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ﴾ ؟ يَعْنِي: مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِمْ فِي إِنْكَارِ الْمَعَادِ، يَسْتَبْعِدُونَ وقوعَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَصِيرِ إِلَى الْحَافِرَةِ، وَهِيَ الْقُبُورُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَبَعْدَ تَمَزُّقِ أَجْسَادِهِمْ وَتَفَتُّتِ عِظَامِهِمْ وَنَخُورِهَا؛ وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً﴾ ؟ وَقُرِئَ: "نَاخِرَةً".وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ: أَيُّ بَالِيَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهُوَ الْعَظَمُ إِذَا بَلِيَ ودَخَلتالرِّيحُ فِيهِ. ﴿قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَقَتَادَةَ: الْحَافِرَةُ: الْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْحَافِرَةُ: النَّارُ. وَمَا أَكْثَرُ أَسْمَائِهَا! هِيَ النَّارُ، وَالْجَحِيمُ، وَسَقَرُ، وَجَهَنَّمُ، وَالْهَاوِيَةُ، وَالْحَافِرَةُ، وَلَظَى، والحُطَمة.وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: ﴿تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: قَالَتْ قُرَيْشٌ: لَئِنْ أَحْيَانَا اللَّهُ بعد أن نموت لنخسرن.قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ أَيْ: فَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لَا مَثْنَوِيَّةَ فِيهِ وَلَا تَأْكِيدَ، فَإِذَا النَّاسُ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَ تَعَالَى إسرافيلَ فَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ نفخَة الْبَعْثِ، فَإِذَا الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ قيامٌ بَيْنَ يَدَي الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ يَنْظُرُونَ، كَمَا قَالَ: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٥٢] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾ [الْقَمَرِ: ٥٠] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ [النَّحْلِ: ٧٧] .قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ صَيْحَةٌ وَاحِدَةٌ.وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: أَشُدُّ مَا يَكُونُ الرَّبُّ غَضَبًا عَلَى خَلْقِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ.وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: زَجْرَةٌ مِنَ الْغَضَبِ. وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ: هِيَ النَّفْخَةُ الْآخِرَةُ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿بِالسَّاهِرَة﴾ الْأَرْضُ كُلُّهَا. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو صَالِحٍ.وَقَالَ عِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ: ﴿بِالسَّاهِرَة﴾ وَجْهُ الْأَرْضِ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا بِأَسْفَلِهَا فَأُخْرِجُوا إِلَى أَعْلَاهَا. قَالَ: وَ ﴿بِالسَّاهِرَة﴾ الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي.وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: ﴿بِالسَّاهِرَة﴾ أَرْضُ الشَّامِ، وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاتِكَةِ: ﴿بِالسَّاهِرَة﴾ أَرْضُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبه: ﴿السَّاهِرَةُ﴾ جَبَلٌ إِلَى جَانِبِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: ﴿بِالسَّاهِرَة﴾ جَهَنَّمُ.وَهَذِهِ أَقْوَالٌ كُلُّهَا غَرِيبَةٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا الْأَرْضُ وَجْهُهَا الْأَعْلَى.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا خَزَر بْنُ الْمُبَارَكِ الشَّيْخُ الصَّالِحُ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ: ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ قَالَ: أَرْضٌ بَيْضَاءُ عَفْرَاءُ خَالِيَةٌ كالخُبزَة النَّقِيّ.وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ وَيَقُولُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٨] ، وَيَقُولُ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا﴾ [طه: ١٠٥، ١٠٦] . وقال: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً﴾ [الْكَهْفِ: ٤٧] : وَبَرَزَتِ الْأَرْضُ الَّتِي عَلَيْهَا الْجِبَالُ، وَهِيَ لَا تُعَدُّ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَهِيَ أَرْضٌ لَمْ يَعْمَلْ عَلَيْهَا خَطِيئَةٌ، وَلِمَ يَهرَاق عَلَيْهَا دَمٌ.

(١) زيادة من م.
(٢) المسند (٥/١٣٦) ، وسنن الترمذي برقم (٢٤٥٧) ، وتفسير الطبري (٣٠/٢١) .

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))