الأحد، 23 يوليو 2023

من سورة الحاقة

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٣٨_٤٣
من سورة الحاقة 
﴿فَلَاۤ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ (٣٨) وَمَا لَا تُبۡصِرُونَ (٣٩) إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولࣲ كَرِیمࣲ (٤٠) وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرࣲۚ قَلِیلࣰا مَّا تُؤۡمِنُونَ (٤١) وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنࣲۚ قَلِیلࣰا مَّا تَذَكَّرُونَ (٤٢) تَنزِیلࣱ مِّن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ (٤٣)﴾ [الحاقة ٣٨-٤٣]

يَقُولُ تَعَالَى مُقسمًا لِخَلْقِهِ بِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ آيَاتِهِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِهِ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمَا غَابَ عَنْهُمْ مِمَّا لَا يُشَاهِدُونَهُ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ عَنْهُمْ: إِنَّ الْقُرْآنَ كلامُه وَوَحْيُهُ وتنزيلُه عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، الَّذِي اصْطَفَاهُ لِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ، فَقَالَ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا، أَضَافَهُ إِلَيْهِ عَلَى مَعْنَى التَّبْلِيغِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُبَلِّغَ عَنِ الْمُرْسِلِ؛ وَلِهَذَا أَضَافَهُ فِي سُورَةِ التَّكْوِيرِ إِلَى الرَّسُولِ الْمَلَكِيِّ: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ وَهَذَا جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ.ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا ﷺ ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ﴾ يَعْنِي: أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى جِبْرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ﴾ أَيْ: بِمُتَّهَمٍ ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ [التَّكْوِيرِ: ١٩ -٢٥] ، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ ، فَأَضَافَهُ تَارَةً إِلَى قَوْلٍ الرَّسُولِ الْمَلَكِيِّ، وَتَارَةً إِلَى الرَّسُولِ الْبَشَرِيِّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ مَا اسْتَأْمَنَهُ عَلَيْهِ مِنْ وَحْيِهِ وَكَلَامِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا شُرَيح بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: خَرَجْتُ أَتَعَرَّضُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْحَاقَّةِ، فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ مِنْ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ شَاعِرٌ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ. قَالَ: فَقَرَأَ: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ﴾ قَالَ: فَقُلْتُ: كَاهِنٌ. قَالَ فَقَرَأَ: ﴿وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. قَالَ: فَوَقَعَ الْإِسْلَامُ فِي قَلْبِي كُلَّ مَوْقِعٍ(١) .فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مُؤَثِّرَةً فِي هِدَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، كَمَا أَوْرَدْنَا كَيْفِيَّةَ إِسْلَامِهِ فِي سِيرَتِهِ الْمُفْرَدَةِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ(٢) .

(١) المسند (١/١٧) .
(٢) في أ: "ولله الحمد والمنة".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الاثنين، 17 يوليو 2023

من سورة الأعراف

﴿قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِینَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِیۤ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّیِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِیَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا خَالِصَةࣰ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ كَذَ ٰ⁠لِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف ٣٢]

يَقُولُ تَعَالَى رَدًّا عَلَى مَنْ حَرَّم شَيْئًا مِنَ الْمَآكِلِ أَوِ الْمَشَارِبِ، وَالْمَلَابِسِ، مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، مِنْ غَيْرِ شَرْعٍ مِنَ اللَّهِ: ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ، لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ مَا يُحَرِّمُونَ بِآرَائِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَابْتِدَاعِهِمْ: ﴿مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ [وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ] ﴾(١) الْآيَةَ، أَيْ: هِيَ مَخْلُوقَةٌ لِمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَعَبَدَهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَإِنْ شَرَكَهُمْ فِيهَا الْكُفَّارُ حِسًّا(٢) فِي الدُّنْيَا، فَهِيَ لَهُمْ خَاصَّةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَشْرَكهم فِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّارِ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ.قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو حُصَين مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى الحِمَّاني، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ القُمِّي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: كَانَتْ قُرَيْشٌ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ وَهُمْ عُرَاةٌ، يُصَفِّرُونَ ويُصفِّقون. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾ فَأُمِرُوا بِالثِّيَابِ.(٣)

(١) زيادة من ك، م، أ.
(٢) في ك: "حبا".
(٣) المعجم الكبير (١٢/١٣) ، وقال الهيثمي في المجمع (٧/٢٣) : "فيه يحيى الحماني وهو ضعيف".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

السبت، 15 يوليو 2023

من سورة الأعراف

صدقةجارية 
تفسير اية رقم ٣١
من سورة الأعراف 
﴿۞ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ خُذُوا۟ زِینَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدࣲ وَكُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ وَلَا تُسۡرِفُوۤا۟ۚ إِنَّهُۥ لَا یُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِینَ﴾ [الأعراف ٣١]

هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ ردٌّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَهُ مِنَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ عُراة، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ(١) -وَاللَّفْظُ لَهُ -مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْل، عَنْ مُسْلِمٍ البَطِين، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ: الرِّجَالُ بِالنَّهَارِ، وَالنِّسَاءُ بِاللَّيْلِ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَقُولُ:اليومَ يبدُو بعضُه أَوْ كُلّه ... وَمَا بَدَا مِنْه فَلَا أحِلّهُ ...فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾(٢)وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى](٣) ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ رِجَالٌ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالزِّينَةِ -وَالزِّينَةُ: اللِّبَاسُ، وَهُوَ مَا يُوَارِي السَّوْأَةَ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ جَيّد البزِّ وَالْمَتَاعِ -فَأُمِرُوا أَنْ يَأْخُذُوا زِينَتَهُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ.وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخعي، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي، والضحاك، وَمَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ فِي تَفْسِيرِهَا: أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي طَوَائِفِ الْمُشْرِكِينَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً.وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ بْنُ مَرْدُويه، مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا؛ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ(٤) فِي الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ. وَلَكِنْ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ(٥) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.وَلِهَذِهِ الْآيَةِ، وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا مِنَ السُّنَّةِ، يُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ عِنْدَ الصَّلَاةِ، وَلَا سِيَّمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْعِيدِ، وَالطِّيبُ لِأَنَّهُ مِنَ الزِّينَةِ، وَالسِّوَاكُ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ ذَلِكَ، وَمِنْ أَفْضَلِ الثِّيَابِ(٦) الْبَيَاضُ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيم، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ الْبَيَاضَ، فَإِنَّهَا مِنْ خير ثيابكم، وكَفِّنوا فيها موتاكم، وإن خَيْرِ أَكْحَالِكُمُ الإثْمِد، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ".هَذَا حَدِيثٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ، رِجَالُهُ(٧) عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيم، بِهِ(٨) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.وَلِلْإِمَامِ أَحْمَدَ أَيْضًا، وَأَهْلِ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ، عَنْ سَمُرَة بْنِ جُنْدَب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "عَلَيْكُمْ بِالثِّيَابِ الْبَيَاضِ فَالْبَسُوهَا؛ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ"(٩)وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ(١٠) صَحِيحٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ اشْتَرَى رِدَاءً بِأَلْفٍ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ.
* * *وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ] ﴾(١١) الْآيَةَ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: جَمَعَ اللَّهُ الطِّبَّ كُلَّهُ فِي نِصْفِ آيَةٍ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا﴾وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شِئْتَ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ، مَا أَخْطَأَتْكَ خَصْلَتَانِ: سرَف ومَخِيلة.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْر، عَنْ مَعْمَر، عَنِابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَحَلَّ اللَّهُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، مَا لَمْ يَكُنْ سرَفًا أو مَخِيلة. إسناده صَحِيحٌ.وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بَهْز، حَدَّثَنَا هَمّام، عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْب، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا، فِي غَيْرِ مَخِيلة وَلَا سرَف، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى(١٢) نِعْمَتَهُ عَلَى عَبْدِهِ"(١٣)وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلة"(١٤)وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ الكِناني، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ(١٥) سَمِعْتُ الْمِقْدَامَ بن معد يكرب الْكِنْدِيَّ(١٦) قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٌ يُقِمْنَ صُلبه، فَإِنْ كَانَ فَاعِلًا لَا مَحَالَةَ، فَثُلْثٌ طعامٌ، وَثُلُثٌ شرابٌ، وَثُلُثٌ لِنَفَسَهِ".وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ، بِهِ(١٧) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ -وَفِي نُسْخَةٍ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ(١٨) حَدَّثَنَا بَقِيَّة، عَنْ يُوسُفَ ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ نُوحِ بْنِ ذَكْوان، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ مِنْ السَّرف أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ".وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ بَقِيَّةُ.(١٩)وَقَالَ السُّدِّي: كَانَ الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، يُحَرِّمُونَ عَلَيْهِمُ الودَكَ مَا أَقَامُوا فِي الْمَوْسِمِ؛ فَقَالَ اللَّهُ [تَعَالَى](٢٠) لَهُمْ: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا [وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ] ﴾(٢١) يَقُولُ: لَا تُسْرِفُوا فِي التَّحْرِيمِ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ.وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿وَلا تُسْرِفُوا﴾ يَقُولُ: وَلَا تَأْكُلُوا حَرَامًا، ذَلِكَ الْإِسْرَافُ.وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَكُلُوا(٢٢) وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ يَقُولُ اللَّهُ: إِنَّ اللَّهَ [تَعَالَى](٢٣) لَا يُحِبُّ الْمُتَعَدِّينَ(٢٤) حَدَّه فِي حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ، الْغَالِينَ فِيمَا أَحَلَّ أَوْ حَرّم، بِإِحْلَالِ الْحَرَامِ وَبِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَلَكِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُحَلَّلَ مَا أَحَلَّ، وَيُحَرَّمَ مَا حَرَّمَ، وَذَلِكَ الْعَدْلُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ.

(١) في أ: "ابن ماجة".
(٢) صحيح مسلم برقم (٣٠٢٨) وسنن النسائي (٥/٢٣٣) وتفسير الطبري (١٢/٣٩٠) .
(٣) زيادة من أ.
(٤) في أ: "نزلت".
(٥) ورواه العقيلي في الضعفاء الكبير (٣/١٤٣) من طريق عباد بن جويرية، عن الأوزاعي، عن قتادة به. وعباد بن جويرية قال فيه الإمام أحمد: "كذاب أفاك".
ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (١٤/٢٨٧) من طريق يعقوب، الدعاء عن يحيى بن عبد الله الدمشقي، عن الأوزاعي به.
ويعقوب وشيخه لا يعرفان.
(٦) في د، ك، م، أ: "اللباس".
(٧) في م: "رجاله كلهم ثقات".
(٨) المسند (١/٢٤٧) وسنن أبي داود برقم (٤٠٦١) وسنن الترمذي برقم (٩٤٤) وسنن ابن ماجة برقم (١٤٧٢) .
(٩) المسند (٥/٧) وسنن النسائي (٨/٢٠٥) .
(١٠) في م: "بإسناد".
(١١) زيادة من ك، م، أ. وفي هـ: "الآية".
(١٢) في ك: "ترى".
(١٣) المسند (٢/١٨٢) .
(١٤) سنن النسائي (٥/٧٩) وسنن ابن ماجة برقم (٣٦٠٥) .
(١٥) في أ: "الطائي قال".
(١٦) في ك: "العبدي".
(١٧) المسند (٤/١٣٢) النسائي في السنن الكبرى برقم (٦٧٦٨) وسنن الترمذي برقم (٢٣٨٠) .
(١٨) في جميع النسخ: "سويد بن عبد العزيز" وصوابه: "سويد بن سعيد" كما في مسند أبي يعلى وكتب الرجال.
(١٩) مسند أبي يعلى (٥/١٥٤) وأطراف الغرائب والأفراد لابن القيسراني (ق٧٢) ورواه ابن ماجة في السنن برقم (٣٣٥٢) من طريق سويد بن سعيد به. وقال البوصيري في الزوائد (٣/٩٥) : "هذا إسناد ضعيف" وهو مسلسل بالعلل.
(٢٠) زيادة من م.
(٢١) زيادة من ك، م، أ. وفي هـ "الآية".
(٢٢) في م: "كلوا".
(٢٣) زيادة من ك.
(٢٤) في ك، م: "المعتدين".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الاثنين، 10 يوليو 2023

من سورة نوح

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٢١_٢٤
من سورة نوح 
﴿قَالَ نُوحࣱ رَّبِّ إِنَّهُمۡ عَصَوۡنِی وَٱتَّبَعُوا۟ مَن لَّمۡ یَزِدۡهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥۤ إِلَّا خَسَارࣰا (٢١) وَمَكَرُوا۟ مَكۡرࣰا كُبَّارࣰا (٢٢) وَقَالُوا۟ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدࣰّا وَلَا سُوَاعࣰا وَلَا یَغُوثَ وَیَعُوقَ وَنَسۡرࣰا (٢٣) وَقَدۡ أَضَلُّوا۟ كَثِیرࣰاۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِینَ إِلَّا ضَلَـٰلࣰا (٢٤)﴾ [نوح ٢١-٢٤]

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ أَنْهَى إِلَيْهِ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ، أَنَّهُ مَعَ الْبَيَانِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ، وَالدَّعْوَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ الْمُتَشَمِّلَةِ عَلَى التَّرْغِيبِ تَارَةً وَالتَّرْهِيبِ أُخْرَى: أَنَّهُمْ عَصَوْهُ وَكَذَّبُوهُ وَخَالَفُوهُ، وَاتَّبَعُوا أَبْنَاءَ الدُّنْيَا مِمَّنْ غَفَلَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَمُتِّعَ بِمَالٍ وَأَوْلَادٍ، وَهِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اسْتِدْرَاجٌ وَإِنْظَارٌ لَا إِكْرَامٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلا خَسَارًا﴾ قُرئ ﴿وَوُلْدُهُ﴾ بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ، وَكِلَاهُمَا مُتَقَارِبٌ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿كُبَّارًا﴾ أَيْ عَظِيمًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿كُبَّارًا﴾ أَيْ: كَبِيرًا. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَمْرٌ عَجِيبٌ وعُجَاب وعُجَّاب. وَرَجُلٌ حُسَان. وحُسَّان: وجُمَال وجُمَّال، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ.وَالْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ أَيْ: بِاتِّبَاعِهِمْ فِي تَسْوِيلِهِمْ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى، كَمَا يَقُولُونَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ [سَبَأٍ:٣٣] وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ وَهَذِهِ أَسْمَاءُ أَصْنَامِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ.قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: صَارَتِ الْأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي الْعَرَبِ بَعْدُ: أَمَّا وَد: فَكَانَتْ لكلب بدومة الجندل؛ وأما سُوَاعٌ: فَكَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادَ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيف بالجُرُف عِنْدَ سَبَأٍ، أَمَّا يُعوقُ: فَكَانَتْ لهَمْدان، وَأَمَّا نَسْرٌ: فَكَانَتْ لِحَمِيرَ لِآلِ ذِي كَلاع، وَهِيَ(١) أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهَا أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ. فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وتَنَسَّخَ(٢) الْعِلْمُ عُبِدت(٣)وَكَذَا رُوي عَنْ عِكْرِمَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَقَتَادَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، نَحْوُ هَذَا.وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هَذِهِ أَصْنَامٌ كَانَتْ(٤) تُعْبَدُ فِي زَمَنِ نُوحٍ.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ ﴿ [يَغُوثَ] وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾(٥) قَالَ: كَانُوا قَوْمًا صَالِحِينَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ، وَكَانَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ يَقْتَدُونَ بِهِمْ، فَلَمَّا مَاتُوا قَالَ أَصْحَابُهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَقْتَدُونَ بِهِمْ: لَوْ صَوَرناهم كَانَ أَشْوَقَ لَنَا إِلَى الْعِبَادَةِ إِذَا ذَكَرْنَاهُمْ. فَصَوَّرُوهُمْ، فَلَمَّا مَاتُوا وَجَاءَ آخَرُونَ دَبَّ إِلَيْهِمْ إِبْلِيسُ فَقَالَ: إِنَّمَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَبِهِمْ يُسْقَوْنَ الْمَطَرَ، فَعَبَدُوهُمْ.(٦)وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ شِيثَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ بِشْرٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي جُويبر وَمُقَاتِلٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدَ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَرْبَعُونَ وَلَدًا، عِشْرُونَ غُلَامًا وَعِشْرُونَ جَارِيَةً، فَكَانَ مِمَّنْ عَاشَ مِنْهُمْ: هَابِيلُ، وَقَابِيلُ، وَصَالِحٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ -وَالَّذِي كَانَ سَمَّاهُ عَبْدَ الْحَارِثِ-ووَدّ، وَكَانَ وَدّ يُقَالُ لَهُ "شِيثَ" وَيُقَالُ لَهُ: "هِبَةُ اللَّهِ" وَكَانَ إِخْوَتُهُ قَدْ سَوّدوه، وَوُلِدَ لَهُ سَوَاع وَيَغُوثُ وَيَعُوقُ وَنَسْرٌ.(٧)وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَر الدّوريُّ، حَدَّثَنِي أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمُؤَدَّبُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرمز عَنْ أَبِي حزْرَة، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: اشْتَكَى آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعِنْدَهُ بَنُوهُ: وَدٌّ، وَيَغُوثُ، [وَيَعُوقُ](٨) وَسُوَاعٌ، وَنَسْرٌ -قَالَ وَكَانَ وَدّ أكبَرهم وَأَبَرَّهُمْ بِهِ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ أَبِي الْمُطَهِّرِ قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ -وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي-يَزِيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ، قَالَ: فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صِلَاتِهِ قَالَ: ذَكَرْتُمْ يزيدَ بْنَ الْمُهَلَّبِ، أَمَا إِنَّهُ قُتِلَ فِي أَوَّلِ أَرْضٍ عُبد فِيهَا غيرُ اللَّهِ. قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ وَدًّا -قَالَ: وَكَانَ وَدٌّ رَجُلًا مُسْلِمًا وَكَانَ مُحَبَّبًا فِي قَوْمِهِ، فَلَمَّا مَاتَ عَسْكَرُوا حَوْلَ قَبْرِهِ فِي أَرْضِ بَابِلَ وَجَزِعُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى إِبْلِيسُ جَزَعهم عَلَيْهِ، تَشَبَّهَ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أَرَى جَزَعَكُمْ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَهَلْ لَكَمَ أَنْ أُصَوِّرَ لَكُمْ مثله، فيكونَ في ناديكم فتذكرونه؟ قالوا: نَعَمْ. فصُوِّر لَهُمْ مَثَلُهُ، قَالَ: وَوَضَعُوهُ فِي نَادِيهِمْ وَجَعَلُوا يَذْكُرُونَهُ. فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنْ ذِكْرِهِ قَالَ: هَلْ لَكُمْ أَنْ أَجْعَلَ فِي مَنْزِلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ تِمْثَالًا مِثْلَهُ، فَيَكُونَ(٩) لَهُ فِي بَيْتِهِ فَتَذْكُرُونَهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَمَثَّلَ لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ تِمْثَالًا مِثْلَهُ، فَأَقْبَلُوا فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَهُ بِهِ، قَالَ: وَأَدْرَكَ أَبْنَاؤُهُمْ فَجَعَلُوا يَرَوْنَ مَا يَصْنَعُونَ بِهِ، قَالَ وَتَنَاسَلُوا ودَرَس أَمْرُ ذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ، حَتَّى اتَّخَذُوهُ إِلَهًا يَعْبُدُونَهُ مَنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِمْ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا عُبِدَ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ: الصَّنَمُ الَّذِي سَمَّوْهُ وَدّا.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا﴾ يَعْنِي: الْأَصْنَامَ الَّتِي اتَّخَذُوهَا أَضَلُّوا بِهَا خَلْقًا كَثِيرًا، فَإِنَّهُ اسْتَمَرَّتْ عِبَادَتُهَا فِي الْقُرُونِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا فِي الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَسَائِرِ صُنُوفِ بَنِي آدَمَ. وَقَدْ قَالَ الْخَلِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي دُعَائِهِ: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٣٥، ٣٦] .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالا﴾ دُعَاءٌ مِنْهُ عَلَى قَوْمِهِ لِتَمَرُّدِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، كَمَا دَعَا مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَثَلِهِ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ﴾ [يُونُسَ: ٨٨] وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنَ النَّبِيَّيْنِ فِي قَوْمِهِ، وَأَغْرَقَ أُمَّتَهُ بِتَكْذِيبِهِمْ لِمَا جَاءَهُمْ بِهِ.

(١) في أ: "ونسرا وهي".
(٢) في م: "ونسخ".
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٩٢٠) .
(٤) في م: "كانت هذه أصنام".
(٥) زيادة من م.
(٦) تفسير الطبري (٢٩/٦٢) .
(٧) تاريخ دمشق (٨/١٦٥) "المخطوط") .
(٨) زيادة من م، أ.
(٩) في م: "ليكون".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الأحد، 9 يوليو 2023

من سورة الأعراف

﴿فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورࣲۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتۡ لَهُمَا سَوۡءَ ٰ⁠ تُهُمَا وَطَفِقَا یَخۡصِفَانِ عَلَیۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَاۤ أَلَمۡ أَنۡهَكُمَا عَن تِلۡكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَاۤ إِنَّ ٱلشَّیۡطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ (٢٢) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَاۤ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ (٢٣)﴾ [الأعراف ٢٢-٢٣]

قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ آدَمُ رَجُلًا طُوَالا كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوق، كَثِيرُ شَعْرِ الرَّأْسِ. فَلَمَّا وَقَعَ بِمَا وَقَعَ بِهِ مِنَ الْخَطِيئَةِ، بَدَتْ لَهُ عَوْرَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ لَا يَرَاهَا. فَانْطَلَقَ هَارِبًا فِي الْجَنَّةِ فَتَعَلَّقَتْ بِرَأْسِهِ شَجَرَةٌ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ، فَقَالَ لَهَا: أَرْسِلِينِي. فَقَالَتْ: إِنِّي غَيْرُ مُرْسِلَتِكَ. فَنَادَاهُ رَبُّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: يَا آدَمُ، أَمِنِّي تَفِرُّ؟ قَالَ: رَبِّ إِنِّي اسْتَحْيَيْتُكَ.(١)وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدُويه مِنْ طُرُق، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ إِسْنَادًا.(٢)وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِمَارَةَ، عَنِ المِنْهَال بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير، عن ابن عباس قال: كانت الشَّجَرَةُ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا آدَمَ وَزَوْجَتَهُ، السُّنْبُلَةَ. فَلَمَّا أَكَلَا مِنْهَا بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا، وَكَانَ الَّذِي وَارَى عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا أَظْفَارَهُمَا، وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَرقَ التِّينِ، يَلْزَقَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ. فَانْطَلَقَ آدَمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مُوَلِّيًا فِي الْجَنَّةِ، فَعَلِقَتْ بِرَأْسِهِ شَجَرَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَنَادَاهُ: يَا آدَمُ، أَمِنِّي تَفِرُّ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُكَ يَا رَبِّ. قَالَ: أَمَا كَانَ لَكَ فِيمَا مَنَحْتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ وَأَبَحْتُكَ مِنْهَا مَنْدُوحَةً، عَمَّا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ. قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، وَلَكِنْ وَعِزَّتِكَ مَا حَسِبْتُ أَنَّ أَحَدًا يَحْلِفُ بِكَ كَاذِبًا. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ(٣) ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ قَالَ: فَبِعِزَّتِي لَأُهْبِطَنَّكَ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ لَا تَنَالُ الْعَيْشَ إِلَّا كَدا. قَالَ: فَأُهْبِطَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَانَا يَأْكُلَانِ مِنْهَا رَغَدًا، فَأُهْبِطَ إِلَى غَيْرِ رَغَدٍ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، فعُلّم صَنْعَةَ الْحَدِيدِ، وَأُمِرَ بِالْحَرْثِ، فَحَرَثَ وَزَرَعَ ثُمَّ سَقَى، حَتَّى إِذَا بَلَغَ حَصَدَ، ثُمَّ دَاسَهُ، ثُمَّ ذَرّاه، ثُمَّ طَحَنَهُ، ثُمَّ عَجَنَهُ، ثُمَّ خَبَزَهُ، ثُمَّ أَكَلَهُ، فَلَمْ يَبْلُغْهُ حَتَّى بَلَغَ مِنْهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ(٤) وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ قَالَ: وَرَقُ التِّينِ. صَحِيحٌ إِلَيْهِ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ: جَعَلَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ كَهَيْئَةِ الثَّوْبِ.وَقَالَ وَهْب بْنُ مُنَبِّه فِي قَوْلِهِ: ﴿يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا﴾ قَالَ: كَانَ لِبَاسُ آدَمَ وَحَوَّاءَ نُورًا عَلَى فُرُوجِهِمَا، لَا يَرَى هَذَا عَوْرَةَ هَذِهِ، وَلَا هَذِهِ عَوْرَةَ هَذَا. فَلَمَّا أَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ.وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ آدَمُ: أَيْ رَبِّ، أَرَأَيْتَ إِنْ تُبْتُ وَاسْتَغْفَرْتُ؟ قَالَ: إِذًا أُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ. وَأَمَّا إِبْلِيسُ فَلَمْ يَسْأَلْهُ التَّوْبَةَ، وَسَأَلَهُ النَّظْرَةَ، فَأُعْطِيَ كل واحد منهما الذي سأله.وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا عَبَّاد بْنُ العَوَّام، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ قِيلَ لَهُ: لِمَ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نَهَيْتُكَ عَنْهَا. قَالَ: حَوَّاءُ. أَمَرَتْنِي. قَالَ: فَإِنِّي قَدْ أَعْقَبْتُهَا أَنْ لَا تَحْمِلَ إِلَّا كَرْها، وَلَا تَضَعَ إِلَّا كَرْها. قَالَ: فرنَّت عِنْدَ ذَلِكَ حَوَّاءُ. فَقِيلَ لَهَا: الرَّنَّةُ عَلَيْكِ وَعَلَى وَلَدِكِ(٥)وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِم فِي قَوْلِهِ: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تَلَقَّاهَا آدَمُ مِنْ رَبِّهِ [عَزَّ وَجَلَّ](٦)

(١) تفسير الطبري (١٢/٣٥٤) .
(٢) تفسير الطبري (١٢/٣٥٢) ورواه الحاكم في المستدرك (١/٣٤٥) من طريق يزيد بن الهاد، عن الحسن، عن أبي بن كعب بنحوه، وقال: "هذا لا يعلل حديث يونس بن عبيد، فإنه أعرف بحديث الحسن من أهل المدينة ومصر، والله أعلم" يقصد الحاكم ما أخرجه في المستدرك (١/٣٤٤) من طريق يونس بن عبيد، عن الحسن، عن عتي، عن أبي بن كعب بنحوه، فإنه قد علله في آخره بأنه قد روى عن الحسن، عن أبي دون ذكر عتي. ورواه عبد الرزاق في المصنف (٣/٤٠٠) ، عن ابن جريج حدثت عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَذَكَرَهُ بنحوه
(٣) في د، م: "قول الله"، وفي ك: "قوله تعالى".
(٤) ورواه الطبري في تفسيره (١٢/٣٥٢) من طريق عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ.
(٥) تفسير الطبري (١٢/٣٥٦) .
(٦) زيادة من أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

السبت، 8 يوليو 2023

من سورة الأعراف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم١٩_٢١
من سورة الأعراف 
﴿وَیَـٰۤـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ فَكُلَا مِنۡ حَیۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ (١٩) فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِیُبۡدِیَ لَهُمَا مَا وُۥرِیَ عَنۡهُمَا مِن سَوۡءَ ٰ⁠ تِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنۡ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّاۤ أَن تَكُونَا مَلَكَیۡنِ أَوۡ تَكُونَا مِنَ ٱلۡخَـٰلِدِینَ (٢٠) وَقَاسَمَهُمَاۤ إِنِّی لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِینَ (٢١)﴾ [الأعراف ١٩-٢١]

يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَبَاحَ لِآدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلِزَوْجَتِهِ [حَوَّاءَ](١) الْجَنَّةَ أَنْ يَأْكُلَا مِنْهَا مِنْ جَمِيعِ ثِمَارِهَا إِلَّا شَجَرَةً وَاحِدَةً. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي "سُورَةِ الْبَقَرَةِ"، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَسَدَهُمَا الشَّيْطَانُ، وَسَعَى فِي الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ وَالْوَسْوَسَةِ ليُسلبا(٢) مَا هُمَا فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَاللِّبَاسِ الْحَسَنِ، وَقَالَ كَذِبًا وَافْتِرَاءً: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ أَكْلِ(٣) الشَّجَرَةِ إِلَّا لِتَكُونَا مَلَكَيْنِ أَيْ: لِئَلَّا تَكُونَا مَلَكَيْنِ، أَوْ خَالِدَيْنِ هَاهُنَا وَلَوْ أَنَّكُمَا أَكَلْتُمَا مِنْهَا لَحَصَلَ لَكُمَا ذَلِكُمَا(٤) كَقَوْلِهِ: ﴿قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: ١٢٠] أَيْ: لِئَلَّا تَكُونَا مَلَكَيْنِ، كَقَوْلِهِ: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النِّسَاءِ: ١٧٦] أَيْ: لِئَلَّا تَضِلُّوا، ﴿وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النَّحْلِ: ١٥] أَيْ: لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُمْ.وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَيَحْيَى بْنُ أبي كثير يقرآن: ﴿إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ﴾ بِكَسْرِ اللَّامِ. وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِفَتْحِهَا.﴿وَقَاسَمَهُمَا﴾ أَيْ: حَلَفَ لَهُمَا بِاللَّهِ: ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ فَإِنِّي مِنْ قَبْلكما هَاهُنَا، وَأَعْلَمُ بِهَذَا الْمَكَانِ، وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ وَالْمُرَادُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ، كَمَا قَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ، ابْنُ عَمِّ أَبِي ذُؤَيْبٍ:وقاسَمَها بِاللَّهِ جَهْدا لأنتمُ ... أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذْ مَا نُشُورُهَا(٥)أَيْ: حَلَفَ لَهُمَا بِاللَّهِ [عَلَى ذَلِكَ](٦) حَتَّى خَدَعَهُمَا، وَقَدْ يُخْدَعُ الْمُؤْمِنُ بِاللَّهِ، فَقَالَ: إِنِّي خُلقت قَبْلَكُمَا، وَأَنَا أَعْلَمُ مِنْكُمَا، فَاتَّبِعَانِي أُرْشِدُكُمَا. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: "مَنْ خَادَعَنَا بِاللَّهِ خُدعنا لَهُ".

(١) زيادة من أ.
(٢) في د: "ليسلبهما".
(٣) في د، ك: "هذه".
(٤) في أ: "ذلك".
(٥) البيت في تفسير الطبري (١٢/٣٥٠) وعزاه المحقق لأشعار الهذليين (١/١٥٨) .
(٦) زيادة من د، ك، م، أ.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

الخميس، 6 يوليو 2023

من سورة المعارج

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ١٩-٣٥
من سورة المعارج 
﴿۞ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعࣰا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَیۡرُ مَنُوعًا (٢١) إِلَّا ٱلۡمُصَلِّینَ (٢٢) ٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَاۤىِٕمُونَ (٢٣) وَٱلَّذِینَ فِیۤ أَمۡوَ ٰ⁠لِهِمۡ حَقࣱّ مَّعۡلُومࣱ (٢٤) لِّلسَّاۤىِٕلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ (٢٥) وَٱلَّذِینَ یُصَدِّقُونَ بِیَوۡمِ ٱلدِّینِ (٢٦) وَٱلَّذِینَ هُم مِّنۡ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشۡفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمۡ غَیۡرُ مَأۡمُونࣲ (٢٨) وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَـٰفِظُونَ (٢٩) إِلَّا عَلَىٰۤ أَزۡوَ ٰ⁠جِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَیۡرُ مَلُومِینَ (٣٠) فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَاۤءَ ذَ ٰ⁠لِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ (٣١) وَٱلَّذِینَ هُمۡ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَ ٰ⁠عُونَ (٣٢) وَٱلَّذِینَ هُم بِشَهَـٰدَ ٰ⁠تِهِمۡ قَاۤىِٕمُونَ (٣٣) وَٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ یُحَافِظُونَ (٣٤) أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی جَنَّـٰتࣲ مُّكۡرَمُونَ (٣٥)﴾ [المعارج ١٩-٣٥]

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْإِنْسَانِ وَمَا هُوَ مَجْبُولٌ عَلَيْهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الدَّنِيئَةِ: ﴿إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا﴾ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا﴾ أَيْ: إِذَا أَصَابَهُ الضُّرُّ فَزِعَ وَجَزِعَ وَانْخَلَعَ قَلْبُهُ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ، وَأَيِسَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ خَيْرٌ.﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا﴾ أَيْ: إِذَا حَصَلَتْ لَهُ(١) نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ بَخِلَ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَمَنَعَ حَقَّ اللَّهِ فِيهَا.وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُلَيّ بنُ رَباح: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بن الحكم قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيرة يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "شَرُّ مَا فِي رَجُلٍ شُحٌ هَالِعٌ، وَجُبْنٌ خَالِعٌ".وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي، بِهِ(٢) وَلَيْسَ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ عِنْدَهُ سِوَاهُ.ثُمَّ قَالَ: ﴿إِلا الْمُصَلِّينَ﴾ أَيِ: الْإِنْسَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الذَّمِّ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَوَفَّقَهُ، وَهَدَاهُ إِلَى الْخَيْرِ وَيَسَّرَ لَهُ أَسْبَابَهُ، وَهُمُ الْمُصَلُّونَ ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ يُحَافِظُونَ عَلَى أَوْقَاتِهِمْ وَوَاجِبَاتِهِمْ. قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ.وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالدَّوَامِ هَاهُنَا السُّكُونُ وَالْخُشُوعُ، كَقَوْلِهِ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ١، ٢] . قَالَهُ عُتْبَةُ بْنُ عَامِرٍ. وَمِنْهُ الْمَاءُ الدَّائِمُ، أَيِ: السَّاكِنُ الرَّاكِدُ.وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الَّذِينَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا دَاوَمُوا عَلَيْهِ وَأَثْبَتُوهُ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلّ". وَفِي لَفْظٍ: "مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ"، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا داوم عليه. وفي لفظ: أثبته(٣) .وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ ذُكر لَنَا أَنَّ دَانْيَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، نَعَتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ﷺ فَقَالَ: يُصَلُّونَ صَلَاةً لَوْ صَلَّاهَا قَوْمُ نُوحٍ مَا غَرِقُوا، أَوْ قَوْمُ عَادٍ مَا أُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الرِّيحُ الْعَقِيمُ، أَوْ ثَمُودُ مَا أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ. فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا خُلُق لِلْمُؤْمِنِينَ حَسَنٌ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ أَيْ: فِي أَمْوَالِهِمْ نَصِيبٌ مُقَرِّرٌ لِذَوِي الْحَاجَاتِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي "سُورَةِ الذَّارِيَاتِ".
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ أَيْ: يُوقِنُونَ بِالْمَعَادِ وَالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، فَهُمْ يَعْمَلُونَ عَمَلَ مَنْ يَرْجُو الثَّوَابَ وَيَخَافُ الْعِقَابَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ أَيْ: خَائِفُونَ وَجِلُونَ، ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ أَيْ: لَا يَأْمَنُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ إِلَّا بِأَمَانٍ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ أَيْ: يَكُفُّونَهَا عَنِ الْحَرَامِ وَيَمْنَعُونَهَا أَنْ تُوضَعَ فِي غَيْرِ مَا أَذِنَ اللَّهُ [فِيهِ](٤) وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ أَيْ: مِنَ الْإِمَاءِ، ﴿فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ(٥) ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ بِمَا أَغْنَى عَنِّي إعادته هاهنا.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ أَيْ: إِذَا اؤْتُمِنُوا لَمْ يَخُونُوا، وَإِذَا عَاهَدُوا لَمْ يَغْدِرُوا. وَهَذِهِ صِفَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَضِدُّهَا صِفَاتُ الْمُنَافِقِينَ، كَمَا وَرَدَ فِي(٦) الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ". وَفِي رِوَايَةٍ: "إِذَا حَدَّث كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَر، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ"(٧) .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾ أَيْ: مُحَافِظُونَ عَلَيْهَا لَا يَزِيدُونَ فِيهَا، وَلَا يَنْقُصُونَ مِنْهَا، وَلَا يَكْتُمُونَهَا، ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٣] .ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾(٨) أَيْ: عَلَى مَوَاقِيتِهَا وَأَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَمُسْتَحِبَّاتِهَا، فَافْتَتَحَ الْكَلَامَ بِذِكْرِ الصَّلَاةِ وَاخْتَتَمَهُ بِذِكْرِهَا، فَدَلَّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَالتَّنْوِيهِ بِشَرَفِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ سُورَةٍ: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ؛ سَوَاءٌ لِهَذَا قَالَ هُنَاكَ: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠، ١١] وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ أَيْ: مُكْرَمُونَ بِأَنْوَاعِ الْمَلَاذِّ وَالْمَسَارِّ.

(١) في م: "عنده".
(٢) المسند (٢/٣٢٠) وسنن أبي داود برقم (٢٥١١) .
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٣، ٦٤٦٥) وصحيح مسلم برقم (٧٨٥) من حديث عائشة، رضي الله عنها.
(٤) زيادة من م.
(٥) في م: "سورة المؤمنون".
(٦) في م: "كما ورد به".
(٧) تقدم تخريج الحديث عند تفسير الآية: ٨ من سورة المؤمنون.
(٨) في أ: "على صلاتهم".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))