صدقة جارية
تفسير اية رقم ٦٥_٦٦
من سورة التوبة
﴿وَلَىِٕن سَأَلۡتَهُمۡ لَیَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلۡعَبُۚ قُلۡ أَبِٱللَّهِ وَءَایَـٰتِهِۦ وَرَسُولِهِۦ كُنتُمۡ تَسۡتَهۡزِءُونَ (٦٥) لَا تَعۡتَذِرُوا۟ قَدۡ كَفَرۡتُم بَعۡدَ إِیمَـٰنِكُمۡۚ إِن نَّعۡفُ عَن طَاۤىِٕفَةࣲ مِّنكُمۡ نُعَذِّبۡ طَاۤىِٕفَةَۢ بِأَنَّهُمۡ كَانُوا۟ مُجۡرِمِینَ (٦٦)﴾ [التوبة ٦٥-٦٦]
قَالَ أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدِينِيُّ(١) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظي وَغَيْرِهِ قَالُوا: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: مَا أَرَى قُرّاءنا هَؤُلَاءِ إِلَّا أَرْغَبَنَا بُطُونًا، وَأَكْذَبَنَا أَلْسِنَةً، وَأَجْبَنَنَا عِنْدَ اللِّقَاءِ. فرُفع ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَقَدِ ارْتَحَلَ وَرَكِبَ نَاقَتَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. فَقَالَ: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مُجْرِمِينَ﴾ وَإِنَّ رِجْلَيْهِ لَتَنْسِفَانِ(٢) الْحِجَارَةَ وَمَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِنِسْعَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أسلم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ في غزوة تبوك في مجلس(٣) مَا رَأَيْتُ مِثْلَ قُرائنا هَؤُلَاءِ، أرغبَ بُطُونًا، وَلَا أكذبَ أَلْسُنًا، وَلَا أَجْبَنَ عِنْدَ اللِّقَاءِ. فَقَالَ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ: كذبتَ، وَلَكِنَّكَ مُنَافِقٌ. لَأُخْبِرَنَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: وَأَنَا رَأَيْتُهُ مُتَعَلِّقًا بحَقَب نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَنكُبُه(٤) الْحِجَارَةُ(٥) وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ .وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا(٦)وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ وَديعة بْنُ ثَابِتٍ، أَخُو بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَرَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ حَلِيفٌ لِبَنِي سَلَمَةَ يُقَالُ لَهُ: مُخَشّن(٧) بْنُ حُميّر يُشِيرُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى تَبُوكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتَحْسَبُونَ جِلادَ بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا؟ وَاللَّهِ لَكَأَنَّا بِكُمْ غَدًا مُقَرّنين فِي الْحِبَالِ، إِرْجَافًا وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ مُخَشّن(٨) بْنُ حُمَيّر: وَاللَّهِ لوددتُ أَنِّي أُقَاضَى عَلَى أَنْ يُضْرَبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا مِائَةَ جَلْدَةٍ، وإما نَنْفَلتُ أَنْ يُنَزَّلَ فِينَا قُرْآنٌ لِمَقَالَتِكُمْ هَذِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ -فِيمَا بَلَغَنِي -لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: "أَدْرِكِ الْقَوْمَ، فَإِنَّهُمْ قَدِ احْتَرَقُوا، فَسَلْهُمْ عَمَّا قَالُوا، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ: بَلَى، قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا". فَانْطَلَقَ إِلَيْهِمْ عَمَّارٌ، فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، فَقَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ وَهُوَ آخِذٌ بحَقَبها: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، [فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ ](٩) فَقَالَ مُخَشّن(١٠) بْنُ حُمّير: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَعَدَ بِيَ اسْمِي وَاسْمُ أَبِي. فَكَانَ الَّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُخَشّن(١١) بْنُ حُمّير، فَتَسَمَّى(١٢) عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُقْتَلَ(١٣) شَهِيدًا لَا يُعْلَمُ بِمَكَانِهِ، فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَثَرٌ(١٤)وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَرَكْبٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالُوا: يَظُنُّ هَذَا أَنْ يَفْتَحَ قُصُورَ الرُّومِ وَحُصُونَهَا. هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ. فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ عَلَى مَا قَالُوا، فَقَالَ: "عَليَّ بِهَؤُلَاءِ النَّفَرِ". فَدَعَاهُمْ، فَقَالَ: "قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا". فَحَلَفُوا مَا كُنَّا إِلَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ.وَقَالَ عِكْرِمة فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَفَا عَنْهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ، إِنِّي أَسْمَعُ آيَةً أَنَا أعنَى بِهَا، تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ، وتجيب مِنْهَا الْقُلُوبُ، اللَّهُمَّ، فَاجْعَلْ وَفَاتِي قَتْلًا فِي سَبِيلِكَ، لَا يَقُولُ أَحَدٌ: أَنَا غُسِّلْتُ، أَنَا كُفِّنْتُ، أَنَا دُفِنْتُ، قَالَ: فَأُصِيبَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، فَمَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا وَقَدْ وُجِدَ غَيْرُهُ(١٥)
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ أَيْ: بِهَذَا الْمَقَالِ الَّذِي اسْتَهْزَأْتُمْ بِهِ ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ أَيْ: لَا يُعْفى عَنْ جَمِيعِكُمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ عَذَابِ بَعْضِكُمْ، ﴿بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ أَيْ: مُجْرِمِينَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ الْفَاجِرَةِ الْخَاطِئَةِ.
(١) في أ: "المعدني".
(٢) في هـ: "ليسفعان"، وفي أ: "ليشفعان" والمثبت من الطبري.
(٣) في ت، أ: "مجلس يوما".
(٤) في ت، أ: "يركبه".
(٥) في ت: "بالحجارة".
(٦) رواه الطبري في تفسير (١٤/٣٣٣، ٣٣٤) .
(٧) في أ: "مخشي".
(٨) في أ: "مخشي".
(٩) زيادة من ت، أ، وسيرة ابن هشام.
(١٠) في أ: "مخشي".
(١١) في أ: "مخشي"
(١٢) في أ: "فسمى".
(١٣) في أ: "أن يقتله".
(١٤) السيرة النبوية لابن هشام (٢/٥٢٤) .
(١٥) في أ: "عبرة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق